ويأتي دور الفهم الاجتماعي للنصّ حين ينتهي دور الفهم اللفظي واللغوي له، فإنّ الفقيه في الدرجة الاولى يحدّد المعطى اللغوي واللفظي للنصّ، ثمّ بعد أن يعرف معنى اللفظ يسلّط عليه الارتكاز الاجتماعي ويدرس المعنى بالذهنيّة الاجتماعيّة المشتركة «مناسبات الحكم والموضوع» فيظهر له من النصّ أشياء جديدة، لم تكن تبدو على مستوى الدرجة الاولى في حدود الفهم اللغوي للفظه، ففي حدود الفهم اللفظي للصيغة القائلة: إذا حزت خشباً أو ماء ملكته، أو الصيغة القائلة: اغسل ثوبك إذا أصابه ماء متنجّس لا تفهم إلّاحكم حيازة الخشب والماء وحكم الثوب إذا أصابه ماء متنجّس، ولكنّ الصيغة على أساس الفهم الاجتماعي لها والأخذ ب «مناسبات الحكم والموضوع» تكتسب ظهوراً في تعميم الحكم واتّخاذ الخشب والماء في الصيغة الاولى، والثوب في الصيغة الثانية مجرّد مثال للحكم العامّ.
وقد جاء في كتاب «فقه الإمام الصادق» قاعدة تعيّن حدود الفهم الاجتماعي الذي يجوز في رأي «العلّامة مغنية» الاعتماد عليه في استنباط الحكم من النصّ وتتلخّص القاعدة فيما يلي:
إذا كان النصّ مرتبطاً بالعبادات فيجب فهمه على أساس لغوي ولفظي فقط، ولا يجوز أن يفهم على أساس ارتكاز اجتماعي مسبق.
فإذا جاء مثلًا، أنّ من شكّ في عدد ركعات صلاة المغرب بطلت صلاته لا يمكننا أن نعمّم الحكم لصلاة الظهر مثلًا؛ لأنّ إبطال الشكّ للصلاة أمر مرتبط بالعبادة، ونظام العبادات نظام غيبي لا تحكم عليه الارتكازات الاجتماعيّة ولا صلة لها به، وأمّا إذا كان النصّ مرتبطاً بمجال حياتي اجتماعي من قبيل المعاملات فيجيء دور الفهم الاجتماعي للنصّ؛ لأنّ للناسّ في هذا المجال ارتكازهم المشترك وذهنيّتهم التي حدّدتها الخبرة والتعايش. فإذا وجد إلى