والإسلام إذ يرفض هذه الصلة الحتميّة، لا يقرّر ذلك نظريّاً فحسب، بل هو يقدّم الدليل العملي على ذلك من وجوده التاريخي؛ فقد سجّل الإسلام في تجربته الواقعيّة للحياة نصراً فكريّاً وبرهاناً حيّاً على كذب تلك القصّة المزعومة بين النظام الاجتماعي وأشكال الإنتاج، ودلّل على أنّ الإنسانيّة تستطيع أن تكيّف وجودها الاجتماعي تكييفاً انقلابيّاً جديداً، بينما يظلّ اسلوبها في الإنتاج كما هو دونما تغيير. فإنّ الواقع الإسلامي الذي عاشته الإنسانيّة لحظة قصيرة من عمر الزمن المديد وأحدث فيها أروع تطوير شهدته الاسرة البشريّة لم يكن هذا الواقع الانقلابي في التنظيم الاجتماعي الذي خلق امّة وأقام حضارة وعدّل من سير التاريخ .. وليد اسلوب جديد في الإنتاج أو تغيير في أشكاله وقواه، ولم يكن من الممكن لو أخذنا بوجهة النظر الماركسيّة أن يوجد هذا الانقلاب الشامل الذي تدفّق إلى كلّ جوانب الحياة دون أن يسبقه أيّ تحوّل أساسي في ظروف الإنتاج.
وهكذا يجب أن نعرف عن النظام الإسلامي أنّ من التصوّرات الأساسيّة التي يتبنّاها هو أنّ النظام الاجتماعي ليس مرتبطاً بالعامل الاقتصادي ولا ناتجاً عنه في علاقة حتميّة كما تتصوّر الماركسيّة.
خامساً- الثبات في النظام الإسلامي:
ومن خصائص النظام الإسلامي أ نّه نظام ثابت يقدّمه الإسلام بوصفه قاعدة صالحة للبناء الاجتماعي في كلّ مكان وزمان، لا باعتباره تنظيماً مرحليّاً وشكلًا اجتماعيّاً مرتبطاً بعصر معيّن أو ظروف خاصّة.
فالنظام الإسلامي من وجهة نظر الإسلام صالح للتطبيق على الامّة، وقادر على إسعادها وتربيتها وتنظيم حاجاتها مهما اختلفت ظروفها المادّيّة وتطوّرت أشكال إنتاجها واتّسعت علاقاتها مع الطبيعة وازدادت السيطرة البشريّة عليها،