وكلّ هذه النقاط تبرهن على أنّ النبي صلى الله عليه و آله في حالة تبنّيه لنظام الشورى كبديل له بعد وفاته يتحتّم عليه أن يطرح فكرة الشورى على نطاق واسع وبعمق، وبإعداد نفسي عام، وملءٍ لكلّ الثغرات، وإبراز لكلّ التفاصيل التي تجعل الفكرة عمليّة، وطرح للفكرة على هذا المستوى كمّاً وكيفاً وعمقاً لا يمكن أن يمارس من قِبل الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله ثمّ تنطمس معالمه لدى جميع المسلمين الذين عاصروه إلى حين وفاته.
وقد يفترض أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان قد طرح فكرة الشورى بالصورة اللازمة وبالحجم الذي يتطلّبه الموقف كمّاً وكيفاً واستوعبها المسلمون، غير أنّ الدوافع السياسية استيقظت فجأةً وحجبت الحقيقة وفرضت على الناس كتمان ما سمعوه من النبي فيما يتّصل بالشورى وأحكامها وتفاصيلها.
غير أنّ هذا الافتراض ليس عمليّاً؛ لأنّ تلك الدوافع مهما قيل عنها فهي لا تشمل المسلمين الاعتياديين من الصحابة الذين لم يساهموا في الأحداث السياسية عقب وفاة النبي صلى الله عليه و آله ولا في بناء هرم السقيفة، وكان موقفهم موقف المترسّل، وهؤلاء يمثّلون في كلّ مجتمع جزءاً كبيراً من الناحية العددية مهما طغى الجانب السياسي عليه.
فلو كانت الشورى مطروحة من قِبل النبي صلى الله عليه و آله بالحجم المطلوب لما اختصّ الاستماع إلى نصوصها بأصحاب تلك الدوافع، بل لسمعها مختلف الناس، ولانعكست بصورة طبيعية عن طريق الاعتياديين من الصحابة، كما انعكست فعلًا النصوص النبويّة على فضل الإمام علي عليه السلام ووصايته عن طريق الصحابة أنفسهم، فكيف لم تَحُل الدوافع السياسية دون أن تصل إلينا مئات الأحاديث عن طريق الصحابة عن النبي صلى الله عليه و آله في فضل علي عليه السلام ووصايته ومرجعيته، على الرغم