فهرست

24

نلاحظ بهذا الصدد للتأكّد من ذلك أنّ أبا بكر حينما اشتدّت به العلّة عهد إلى عمر بن الخطاب، فأمر عثمان أن يكتب عهده، فكتب: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم.

هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول اللَّه إلى المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، إنّي أحمد إليكم اللَّه. أمّا بعد، فإنّي استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا وأطيعوا»[1].

ودخل عليه عبد الرحمن بن عوف فقال: كيف أصبحت يا خليفة رسول اللَّه، فقال: أصبحت مولّياً وقد زدتموني على ما بي أن رأيتموني استعملت رجلًا منكم، فكلّكم قد أصبح وارماً أنفُه، وكلّ يطلبها لنفسه‏[2].

وواضح من هذا الاستخلاف وهذا الاستنكار للمعارضة أنّ الخليفة لم يكن يفكّر بعقلية نظام الشورى وأ نّه كان يرى من حقّه تعيين الخليفة، وأنّ هذا التعيين يفرض على المسلمين الطاعة، ولهذا أمرهم بالسمع والطاعة، فليس هو مجرّد ترشيح أو تنبيه، بل هو إلزام ونصب.

ونلاحظ أيضاً أنّ عمر رأى هو الآخر أنّ من حقّه فرض الخليفة على المسلمين، ففرضه في نطاق ستّة أشخاص، وأو كل أمر التعيين إلى الستّة أنفسهم دون أن يجعل لسائر المسلمين أيّ دور حقيقي في الانتخاب. وهذا يعني أيضاً أنّ عقلية نظام الشورى لم تتمثّل في طريقة الاستخلاف التي انتهجها عمر، كما لم تتمثّل من قبْل في الطريقة التي سلكها الخليفة الأوّل، وقد قال عمر حين طلب منه الناس الاستخلاف: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه‏

 

[1] انظر: تاريخ الطبري 3: 428 و 429، ومختصر تاريخ ابن عساكر 18: 309- 310

[2] تاريخ اليعقوبي 2: 24. وراجع تاريخ الطبري 3: 429