3- السنّة المصاغة على صورة الاتجاه الطبيعي:
الشكل الثالث للسنة التاريخية:
وهو شكل اهتمّ به القرآن الكريم اهتماماً كبيراً، هو السنة التاريخية المصاغة على صورة اتّجاه طبيعي في حركة التاريخ لا على صورة قانون صارم حدّي. وفرق بين الاتّجاه والقانون. ولكي تتّضح الفكرة في ذلك لابدّ وأن نطرح الفكرة الاعتيادية التي نعيشها في أذهاننا عن القانون.
القانون العلمي كما نتصوّره عادة: عبارة عن تلك السنة التي لا تقبل التحدّي من قبل الإنسان؛ لأنّها قانون من قوانين الكون والطبيعة فلا يمكن للإنسان أن يتحدّاها، أن ينقضها، أن يخرج عن طاعتها. يمكنه أن لا يصلّي؛ لأنّ وجوب الصلاة حكم تشريعي وليس قانوناً تكوينياً، يمكنه أن يشرب الخمر؛ لأنّ حرمة شرب الخمر قانون تشريعي وليس قانوناً تكوينياً، لكنه لا يمكنه أن يتحدّى القوانين الكونية والسنن الموضوعية، مثلًا: لا يمكنه أن يجعل الماء لا يغلي إذا توفّرت شروط الغليان، لا يمكنه أن يتحدّى الغليان، أن يؤخرّ الغليان لحظة عن موعده المعين؛ لأنّ هذا قانون، والقانون صارم، والصرامة تأبى التحدّي.
هذه هي الفكرة التي نتصوّرها عادة عن القوانين، وهي فكرة صحيحة إلى حدّما، لكن ليس من الضروري أن تكون كل سنّة طبيعية موضوعية على هذا الشكل بحيث تأبى التحدّي ولا يمكن تحدّيها من قبل الإنسان بهذه الطريقة، بل هناك اتّجاهات موضوعية في حركة التاريخ وفي مسار الإنسان، إلّاأنّ هذه الاتجاهات لها شيء من المرونة بحيث إنّها تقبل التحدّي ولو على شوط قصير، وإن لم تقبل التحدّي على شوط طويل، لكن على الشوط القصير تقبل التحدّي.
أنت لا تستطيع أن تؤخّر موعد غليان الماء لحظة، لكن تستطيع أن تجمّد هذه الاتجاهات لحظات من عمر التاريخ، لكن هذا لا يعني أنها ليست اتّجاهات تمثل