مَنْشُوراً* اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً»[1]. هنا الموقف يختلف، هنا كل إنسان مرهون بكتابه، لكل إنسان كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعماله، من حسناته وسيئاته، من هفواته وسقطاته، من صعوده ونزوله إلّاوهو محصيٌّ في ذلك الكتاب، الكتاب الذي كتب بعلم من لا يعزب عن علمه مثقال ذّرة في الأرض والسماء. كل إنسان قد يفكّر أنّ بامكانه أن يخفي نقطة ضعف، أن يخفي ذنباً، أن يخفي سيئة عن جيرانه عن قومه عن امته عن أولاده، قد يحاول أن يخفي ذلك حتى عن نفسه، يخدع نفسه ويُري نفسه أ نّه لم يرتكب سيئة ولكن هذا الكتاب الحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّاأحصاها، في ذلك اليوم يقال: أنت حاسب نفسك؛ لأنّ هذه الأعمال التي مارستها سوف تواجهها في هذا الكتاب. أن تحكم على نفسك بموازين ومقاييس الحق في يوم القيامة. في ذلك اليوم لا يمكن لأيّ إنسان أن يخفي شيئاً عن الموقف، عن اللَّه سبحانه وتعالى، عن نفسه.
هذا كتاب الفرد، ذاك كتاب الامّة. هناك كتاب لُامّة جاثية بين يدي ربّها، وهنا لكل فرد كتاب. هذا التمييز النوعي القرآني بين كتاب الامّة وكتاب الفرد هو تعبير آخر عمّا قلناه من أنّ العمل التاريخي هو ذاك العمل الذي يتمثل في كتاب الامّة، العمل الذي له أبعاد ثلاثة. بل إنّ الذي يُستظهَر و يُلاحَظ من عدد آخر من الآيات القرآنية الكريمة أ نّه ليس فقط يوجد كتاب للفرد ويوجد كتاب للُامة، بل يوجد إحضار للفرد ويوجد إحضار للُامة. هناك احضاران بين يدي اللَّه سبحانه وتعالى:
الإحضار الفردي يأتي فيه كل إنسان فرداً فرداً لا يملك ناصراً ولا معيناً، لا يملك شيئاً يستعين به في ذلك الموقف إلّاالعمل الصالح والقلب السليم
[1] الإسراء: 13- 14