القرآن الكريم أ نّه من خلال استعراضه للكتب الغيبية الإحصائية، تحدّث القرآن عن كتاب للفرد، وتحدّث عن كتاب للُامة، عن كتاب يحصي على الفرد عمله، وعن كتاب يحصي على الامّة عملها، وهذا تمييز دقيق بين العمل الفردي الذي يُنسب إلى الفرد وبين عمل الامّة، أي العمل الذي له ثلاثة أبعاد، والعمل الذي له بعدان. العمل الذي له بعدان لا يدخل إلّافي كتاب الفرد، وأمّا العمل الذي له ثلاثة أبعاد فهو يدخل في الكتابين معاً. باعتبار البعدين يدخل في كتاب الفرد ويحاسب الفرد عليه، وباعتبار البعد الثالث يدخل في كتاب الامّة ويعرض على الامّة وتحاسب الامّة على أساسه.
لاحظوا قوله سبحانه تعالى: «وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»[1]. هنا القرآن الكريم يتحدّث عن كتاب للُامة، امّة جاثية بين يدي ربّها ويقدّم لها كتابها، يقدّم لها سجل نشاطها، حياتها التي مارستها كامة، هذا العمل الهادف ذو الأبعاد الثلاثة يحتويه هذا الكتاب، وهذا الكتاب- انظروا إلى العبارة- يقول: «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» هذا الكتاب ليس تاريخ الطبري، لا يسجّل الوقائع الطبيعية، الفسلجية، الفيزيائية، يحدّد، يستنسخ ما كانوا يعملون كامة، ما كانت الامّة تعمله كامّة، يعني العمل الهادف ذوالموج بحيث ينسب للُامة وتكون الامّة مدعوّة إلى كتابها. هذا العمل هو الذي يحويه هذا الكتاب، بينما في آية اخرى نستمع إلى قوله سبحانه وتعالى:
«وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاه
[1] الجاثية: 28- 29