انظروا كيف أنّ السنن التاريخية لا تجري من فوق رأس الإنسان بل تجري من تحت يد الإنسان، فإنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً. إذن هناك مواقف إيجابية للإنسان تمثّل حريته واختياره وتصميمه، وهذه المواقف تستتبع ضمن علاقات السنن التاريخية، تستتبع جزاءاتها المناسبة، تستتبع معلولاتها المناسبة. إذن فاختيار الإنسان له موضعه الرئيسي في التصوّر القرآني لسنن التاريخ، وسوف أعود إلى هذه النقطة مرة اخرى إن شاء اللَّه تعالى.
إذن نستطيع أن نستخلص مما سبق أنّ السنن التاريخية، أنّ السنن القرآنية للتاريخ، ذات طابع علمي؛ لأنّها تتميز بالاطّراد الذي يميّز القانون العلمي، وذات طابع رباني؛ لأنّها تمثّل حكمة اللَّه وحسن تدبيره على الساحة التاريخية، وذات طابع إنساني؛ لأنّها لا تفصل الإنسان عن دوره الإيجابي ولا تعطّل فيه إرادته وحريته واختياره، وإنّما تؤكد أكثر فأكثر مسؤوليته على الساحة التاريخية.
مجال السنن على الساحة التاريخية:
الآن بعد أن استعرضنا الخصائص الثلاث التي تتميز بها السنن التاريخية في القرآن الكريم نواجه هذا السؤال: ما هو ميدان هذه السنن التاريخية؟
كنا حتى الآن نعبّر ونقول بأنّ هذه السنن تجري على الساحة التاريخية، لكن هل أن الساحة التاريخية بامتدادها هي ميدان للسنن التاريخية؟ أو أنّ ميدان السنن التاريخية يمثل جزءاً من الساحة التاريخية، بمعنى أنّ الميدان الذي يخضع للسنن التاريخية بوصفها قوانين ذات طابع نوعي مختلف عن القوانين الاخرى الفيزيائية والفسلجية والبيولوجية والفلكية، هذا الميدان الذي يخضع لقوانين ذات طابع نوعي مختلف، هذا الميدان هل تتسع له الساحة التاريخية؟ هل يستوعب