الطبيعية هي تعبير عن حكمة اللَّه وتدبيره وحسن رعايته، فمثل هذا الكلام لا يتعارض مع الطابع العلمي والتفسير الموضوعي لظاهرة المطر؛ لأنّنا ربطنا هنا السنة باللَّه سبحانه وتعالى، لا الحادثة مع عزلها عن بقية الحوادث وقطع ارتباطها مع مؤثراتها وأسبابها.
إذن القرآن الكريم حينما يُسبغ الطابع الرباني على السنة التاريخية لا يريد أن يتّجه اتّجاه التفسير الإلهي في التاريخ، ولكنّه يريد أن يؤكّد أنّ هذه السنن ليست هي خارجة ومن وراء قدرة اللَّه سبحانه وتعالى، وإنّما هي تعبير وتجسيد وتحقيق لقدرة اللَّه، فهي كلماته وهي سننه وإرادته وحكمته في الكون لكي يبقى الإنسان دائماً مشدوداً إلى اللَّه، لكي تبقى الصلة الوثيقة بين العلم والإيمان، فهو في نفس الوقت الذي ينظر فيه إلى هذه السنن نظرة علمية، ينظر أيضاً إليها نظرة إيمانية.
وقد بلغ القرآن الكريم في حرصه على تأكيد الطابع الموضوعي للسنن التاريخية وعدم جعلها مرتبطة بالصدف، أنّ نفس العمليات الغيبية أناطها في كثير من الحالات بالسنة التاريخية نفسها أيضاً، عملية الإمداد الإلهي بالنصر، الإمداد الإلهي الغيبي الذي يساهم في كسب النصر، هذا الإمداد جعله القرآن الكريم مشروطاً بالسنة التاريخية، مرتبطاً بظروفها غير منفكّ عنها، وهذه الروح أبعد ما تكون عن أن تكون روحاً تفسّر التاريخ على أساس الغيب، وإنّما هي روح تفسّر التاريخ على أساس المنطق والعقل والعلم، وحتى ذاك الإمداد الإلهي الذي يساهم بالنصر- ذاك الإمداد أيضاً- رُبط بالسنة التاريخية.
قرأنا فيما سبق صيغة من صيغ السنن التاريخية للنصر حينما قرأنا قوله سبحانه وتعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى