هذا الجانب من عملية التغيير، جانب المحتوى والمضمون، جانب التشريعات والأحكام والمناهج التي تدعو إليها هذه العملية، هذا الجانب جانب ربّاني إلهي، لكن هناك جانب آخر لعمليّة التغيير التي مارسها النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه الأطهار: هذه العملية حينما تلحظ بوصفها عملية متجسّدة في جماعة من الناس وهم النبي والصحابة، بوصفها عملية اجتماعية متجسّدة في هذه الصفوة، وبوصفها عملية قد واجهت تيارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائدي والاجتماعي والسياسي والعسكري، حينما تؤخذ هذه العملية التغييرية بوصفها تجسيداً بشرياً واقعاً على الساحة التاريخية مترابطاً مع الجماعات والتيارات الاخرى التي تكتنف هذا التجسيد والتي تؤيّد أو تقاوم هذا التجسيد، حينما تؤخذ العملية من هذه الزاوية تكون عملية بشرية، يكون هؤلاء اناساً كسائر الناس تتحكّم فيهم إلى درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكّم في بقية الجماعات وفي بقية الفئات على مرّ الزمن.
إذن، عملية التغيير التي مارسها القرآن ومارسها النبي صلى الله عليه و آله لها جانبان، من حيث صلتها بالشريعة وبالوحي ومصادر الوحي هي ربانية، هي فوق التاريخ، ولكن من حيث كونها عملًا قائماً على الساحة التاريخية، من حيث كونها جهداً بشرياً يقاوم جهوداً بشرية اخرى، من هذه الناحية يعتبر هذا عملًا تاريخياً تحكمه سنن التاريخ وتتحكّم فيه الضوابط التي وضعها اللَّه سبحانه وتعالى لتنظيم ظواهر الكون في هذه الساحة المسمّاة بالساحة التاريخية؛ ولهذا نرى أنّ القرآن الكريم حينما يتحدّث عن الزاوية الثانية، عن الجانب الثاني من عملية التغيير يتحدّث عن اناس، يتحدّث عن بشر، لا يتحدّث عن رسالة السماء، بل يتحدّث عنهم بوصفهم بشراً من البشر تتحكّم فيهم القوانين التي تتحكّم في الآخرين.
حينما أراد أن يتحدّث عن انكسار المسلمين في غزوة احد بعد أن أحرزوا