بوصفه معلّماً- بالمعنى التقليدي من المعلّم- لكي يدرّس مجموعة من المتخصصين والمثقّفين، وإنمّا نزل هذا الكتاب عليه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، لكي يخرج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الهداية والإسلام. إذن، فهو كتاب هداية وتغيير، وليس كتاب اكتشاف.
ومن هنا لا نترقّب من القرآن الكريم أن يكشف لنا الحقائق والمبادئ العامّة للعلوم الاخرى، ولا نترقّب من القرآن الكريم أن يتحدّث لنا عن مبادئ الفيزياء أو الكيمياء أو النبات أو الحيوان. صحيح أنّ في القرآن الكريم إشارات إلى كلّ ذلك، ولكنها إشارات بالحدود التي تؤكّد على البعد الإلهي للقرآن، وبقدر ما يمكن أن يثبت العمق الرباني لهذا الكتاب الذي أحاط بالماضي والحاضر والمستقبل، والذي استطاع أن يسبق التجربة البشرية مئات السنين في مقام الكشف عن حقائق متفرّقة في الميادين العلمية المتفرّقة، لكن هذه الإشارات القرآنية إنّما هي لأجل غرض عملي من هذا القبيل، لا من أجل تعليم الفيزياء والكيمياء.
القرآن لم يطرح نفسه بديلًا عن قدرة الإنسان الخلّاقة، عن مواهبه وقابلياته في مقام الكدح، الكدح في كلّ ميادين الحياة بما في ذلك ميدان المعرفة والتجربة، القرآن لم يطرح نفسه بديلًا عن هذه الميادين، وإنّما طرح نفسه طاقة روحية موجّهة للإنسان، مفجّرة طاقاته، محرّكة له في المسار الصحيح.
فإذا كان القرآن الكريم كتاب هداية وتوجيه وليس كتاب اكتشاف وعلم، فليس من الطبيعي أن نترقّب منه استعراض مبادئ عامّة لأيّ واحد من هذه العلوم التي يقوم الفهم البشري بمهمّة التوغّل في اكتشاف نواميسها وقوانينها وضوابطها.
لماذا ننتظر من القرآن الكريم أن يعطينا عموميات، أن يعطينا مواقف، أن يبلور له مفهوماً علمياً في سنن التاريخ على هذه الساحة من ساحات الكون، بينما ليس