لم يكن معروفاً سابقاً، التجارة والمضاربة والمزارعة والمساقاة كانت تمثّل السوق قبل ألف سنة أو قبل ثمانمئة سنة، ولكن اليوم السوق، المعاملات، العلاقات الاقتصادية، أوسع من هذا النطاق، أكثر تشابكاً من هذا النطاق، إذن لابدّ للفقه من أن يكون كما كان على يد هؤلاء العلماء الذين كانوا حريصين على أن يعكسوا كلّ ما يستجدّ من وقائع الحياة على الشريعة ليأخذوا حكم الشريعة، لابدّ أيضاً من أنّ هذه العملية تسير افقياً كما سارت افقياً في البداية. هذا من الناحية الافقية.
من الناحية العمودية أيضاً لابدّ من أن يتوغّل هذا الاتّجاه الموضوعي في الفقه، لابدّ وأن يتوغّل، لابدّ وأن ينفذ عمودياً، لابدّ وأن يصل إلى النظريات الأساسية، لابدّ وأن لا يكتفي بالبناءات العلوية بالتشريعات التفصيلية، لابدّ وأن ينفذ من خلال هذه التشريعات التفصيلية، من خلال هذه البناءات العلوية إلى النظريات الأساسية التي تمثّل وجهة نظر الإسلام؛ لأنّنا نعلم أنّ كلّ مجموعة من التشريعات في كلّ باب من أبواب الحياة ترتبط بنظريات أساسية، ترتبط بتصوّرات رئيسية، أحكام الإسلام، تشريعات الإسلام، في مجال الحياة الاقتصادية ترتبط بنظرية الإسلام، بالمذهب الاقتصادي في الإسلام. أحكام الإسلام في مجال النكاح والطلاق والزواج وعلاقات المرأة مع الرجل، ترتبط بنظرياته الأساسية عن المرأة والرجل ودور المرأة والرجل. هذه النظريات الأساسية التي تشكّل القواعد النظرية لهذه الأبنية العلوية، لابدّ أيضاً من التوغّل إليها، لا ينبغي أن ينظر إلى ذلك بوصفه عملًا منفصلًا عن الفقه، بوصفه ترفاً، بوصفه نوع تفنن، بوصفه نوع أدب، ليس كذلك، بل هذا ضرورة من ضرورات الفقه، لابدّ من النفاذ، لابدّ من التوغّل عمودياً أيضاً إلى تلك النظريات ومحاولة اكتشافها بقدر الطاقة البشرية.