الخمر، بالرغم من الطاقات المادية والمعنوية الهائلة التي جنّدتها السلطة الحاكمة ومختلف المؤسسات الإجتماعية في هذا السبيل، وليس هذا الفشل المريع إلا نتيجة فقدان الإنسان الغربي للحرية الحقيقية، فهو لا يستطيع أن يقول، لا كلما اقتنع عقلياً بذلك، كالإنسان القرآني، وإنما يقول الكلمة حين تفرض عليه شهوته أن يقولها، ولهذا لم يستطع أن يعتق نفسه من أسر الخمر؛ لأنه لم يكن قد ظفر في ظل الحضارة الغربية بتحرير حقيقي في محتواه الروحي والفكري.
تحرير الإنسان في النطاق الاجتماعي:
وخاض القرآن بعد معركة التحرير الداخلي للإنسانية- بل وإلى صفها أيضاً- معركة التحرير في النطاق الإجتماعي. فكما حطّم في المحتوى الداخلي للإنسان الأصنام التي تسلبه حرّيته الإنسانية، كذلك حطّم الأصنام الإجتماعية وقضى على عبادة الإنسان للإنسان «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» فعبودية الإنسان للَّهتجعل الناس كلهم يقفون على صعيد واحد بين يدي المعبود الخالق، فلا توجد امّة لها الحق في استعمار امّة اخرى واستعبادها، ولا فئة من المجتمع يباح لها اغتصاب فئة اخرى وانتهاك حريتها، ولا إنسان يحقّ له أن ينصب نفسه صنماً للآخرين.
ومرّة اخرى نجد أنّ هذه المعركة القرآنية الثانية من معارك التحرير قد استعين فيها بنفس الطريقة التي استعملت في المعركة الاولى وتستعمل دائماً في كل ملاحم القرآن، وهي التوحيد. فمادام الإنسان يقرّ بالعبودية للَّهوحده فهو يرفض بطبيعة الحال كلّ صنم وكلّ تأليه مزوّر لأيإنسان وكائن، ويرفع رأسه حراً أبياً، ولا يستشعر ذلّ العبودية والهوان أمام أي قوّة من قوى الأرض أو صنم