هذه هي معركة التحرير في المحتوى الداخلي للإنسان، وهي في نفس الوقت الأساس الأول والرئيس لتحرير الإنسانية في نظر الإسلام، وبدونها تصبح كل حرّية زيفاً وخداعاً وبالتالي أسراً وقيداً.
ونحن نجد في هذا الضوء القرآني إنّ الطريقة التي استعان بها القرآن على انتشال الإنسانية من ربقة الشهوات وعبوديات اللذّة هي الطريقة العامّة التي يستعملها الإسلام دائماً في تربية الإنسانية في كل المجالات، طريقة التوحيد، فالإسلام يحرّر الإنسان من عبودية الأرض ولذائذها الخاطفة بربطه بالسماء وجنانها ومثلها ورضوان من اللَّه، وهكذا نعرف أنّ التوحيد هو سند الإنسانية في تحرّرها الداخلي من كل العبوديات.
ويكفينا مثل واحد لنعرف النتائج الباهرة التي تمخض عنها هذا التحرير ومدى الفرق بين حرّية الإنسان القرآني الحقيقية وهذه الحريات المصطنعة التي تزعمها شعوب الحضارات الغربية الحديثة، فقد استطاعت الامّة التي حرّرها القرآن حين دعاها في كلمة واحدة إلى اجتناب الخمر أن تقول: لا وتمحو الخمر من قاموس حياتها بعد أن كان جزءاً من كيانها وضرورة من ضروراتها، لأنّها كانت مالكة لإرادتها، حرّة في مقابل شهواتها ودوافعها الحيوانية، وبكلمة مختصرة كانت تتمتع بحرية حقيقية تسمح لها بالتحكم في سلوكها.
وأما تلك الامّة التي أنشأتها الحضارة الحديثة ومنحتها الحرّيات الشخصية بطريقتها الخاصة فهي بالرغم من هذا القناع الظاهري للحرّية لا تملك شيئاً من إرادتها ولا تستطيع أن تتحكّم في وجودها؛ لأنّها لم تحرّر المحتوى الداخلي لها وإنّما استسلمت إلى شهواتها ولذاذاتها تحت ستار من الحرية الشخصية حتى فقدت حرّيتها ازاء تلك الشهوات واللذاذات، فلم تستطع أكبر حملة للدعاية ضد الخمر جنّدتها حكومة الولايات المتحدة الامريكية أن تحرّر الامّة الامريكية من