الأخير أو أن يمد ببصره إلى نهاية الطريق، فكيف نسلك طريقاً مظلم النهاية شائك الدرب أوسع إمتداداً من أبصارنا وقدرتنا على الاستيعاب.
الطريق طويل لأنّ ميوعة الامّة التي انحدرت إليها وغرابة المعطيات الإسلامية اليوم على أفكارها وعقولها التي تعوّدت الابتعاد عن الإسلام في واقع الحياة والاستعمار الغاشم الداهية الذي يقف للُامّة بالمرصاد والحضارة الغربية بكل حماتها ودعاتها حواجز في الطريق لا يمكن للداعية تذويبها والتغلب عليها.
إنّ الطريق طويل والشقّة بعيدة، لو كان سفراً قاصداً، لو كان عرضاً قريباً، لو كان طريقاً قصيراً وغايات محدودة على مرمى البصر لكان للعمل مجال.
الطريق طويل، هذا ليس فيه شك غير أنه لا يعنى بالنسبة للدّاعية إلى اللَّه وشرعه شيئاً؛ لأنّ المسلم لا يستهدف من دعوته مكسباً مادياً يواتيه في نهاية الطريق، وجائزة عاجلة يكلّل بها جهاده في لحظة النصر ليزهد في طريق طويل قد لا يصل إلى آخره ولا يسير فيه إلا خطوات، وإنّما الهدف الحقيقي للمسلم من عمله في سبيل اللَّه ثوابه تعالى «وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ» ولا أعرف هدفاً جهادياً يمكن ضمانه للمجاهدين وتأكيد فوزهم به كهذا الهدف بقطع النظر عن طول الطريق وقصره ومشقته ويسره واجتيازه وعدمه، فليست المسألة من وجهة نظر السماء إلا مسألة طاعة يحسن العبد فيها نيته لربه فيجازيه على ذلك سواء تمثلت الطاعة في الخطوة الأخيرة الأخيرة من الطريق أو في أيّ خطوة اخرى من هذا الطريق الطويل الطويل «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»[1].
[1] التوبة: 120 و 121