الأعذار؟
ونحن حين نستعرض الأعذار التي يكشف القرآن الستار عن زيفها ويفضح سرّ جذورها نجد أنّ الأعذار بالأمس هي الأعذار اليوم لا تختلف في جوهرها ومضمونها الروحي وميوعتها ودوافعها الأنانية، كما أنّ الدعوة اليوم كالدعوة بالأمس في محنتها بذوي الأعذار والمثبطين ومصيبتها بهم في كلا الحالين، فهي إن سجّلت نصراً في إحدى معاركها قال المثبطون إنا كنا معكم «وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ»[1] وإن منيت بخسارة قال المثبطون: قد أنعم اللَّه علينا إذ لم نكن معهم «وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً»[2].
يعتذر المعتذرون بطول الطريق «لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ»[3].
هذا العذر نفسه يردّده المثبطون والمتقاعسون اليوم ويصوغونه في إطار من الواقع المعاش.
يقولون إنّ طريق الدعوة شائك وطويل لا أمل في اجتيازه بجهد محدود ولا ضمان للتغلب على صعابه وعقابه المنتشرة على طول الطريق، بل هو من الطول والامتداد ما لا يتيح للدّاعية وهو في مستهلّ الطريق أن يتبين معالمه إلى
[1] العنكبوت: 10
[2] النساء: 72
[3] التوبة: 42