استهدف منه الاسلام بصورة رئيسة تغيير المجتمع الجاهلي وبناء الامّة الاسلامية على أساس المفاهيم والافكار الجديدة التي جاء بها الدين الجديد، وهو من أجل تحقيق هذه الغاية، والوصول الى هذا الهدف الرئيسي جاء منجماً متفرقاً من اجل أن يعالج القضايا في حينها، ويضع الحلول للمشاكل في أوقاتها المناسبة، مراعياً في ذلك كل ما تفرضه عملية التغيير والبناء من تدرج وأناة، وليحقق الانقلاب في كل الجوانب الاجتماعية والانسانية، منطلقاً مع المحتوى الداخلي للفرد المسلم ليشمل البنيات الفوقية للمجتمع.
وعلى هذا الاساس لم يكن شعور المسلمين بشكل عام تجاه المحتوى القرآني ذلك الشعور الذي يجعلهم ينظرون الى القرآن الكريم كما ينظرون الى الكتب العلمية التي تحتاج الى الدرس والتمحيص، وانما هو شعور ساذج بسيط لأنّ القرآن كان يسير معهم في حياتهم الاعتيادية، بما زخرت به من الوان مختلفة فيعالج أزماتهم الروحية والسياسية، ويتعرض بالنقد للأفكار والمفاهيم الجاهلية، ويناقش أهل الكتاب في انحرافاتهم العقيدية والاجتماعية، ويضع الحلول الآنية للمشاكل التي تعتريهم، ويربط بين كلّ من هذه الامور بعرض مفاهيم الدين الجديد عن الكون والمجتمع والأخلاق.
كلّ ذلك قام به القرآن الكريم ولكن بشكل تدريجي يسمح لعامة المسلمين أن ينظروا إليه كأحداث تشكل جزءاً من حياتهم الاجتماعية، وقد كان المسلمون يفهمون القرآن من خلال هذه النظرة الساذجة إليه وعلى اساس ما لديهم من خبرة عامة، وهي تعني جميع المعلومات التي تحصل لدى الانسان في مجرى حياته الاعتيادية؛ وهذه الخبرة العامة التي كان المسلمون يفهمون النص القرآني بموجبها، ويمكن ان نلخّصها بالامور التالية:
أ- الثقافة اللغوية العامة؛ فالقرآن نزل باللغة العربية التي كانت تمثل لغة المسلمين في ذلك العصر، لأنّ الوجود الاسلامي حينذاك لم يكن قد انفتح على