ومن الواضح أنّ هذا الدور العظيم لا يمكن للقرآن الكريم أن يؤديه بصورة كاملة شاملة ما لم يفهم فهماً كاملًا شاملًا، ويصل المسلمون الى اهدافه ومعانيه، ويندمجون بمفاهيمه، ومصطلحاته.
وأمّا اذا ترك القرآن بدون تفسير موجّه توجيهاً رسالياً فسوف يفهم من قبل المسلمين ضمن اطاراتهم الفكرية، وعلى المستوى الثقافي والذهني الذي كان الناس يعيشونه- وقتئذ- وتتحكم في تفسيره كلّ الرواسب، والمسبقات الذهنية التي كانت لا تزال تتحكم في كثير من الاذهان.
وهكذا نجد انفسنا امام تناقض بين قولين لكل منهما شواهده ومعززاته، ويحتاج هذا التناقض الى حل.
وقد لا نجد حلّاً منطقياً أقرب الى القبول من القول: بأنّ النبي صلى الله عليه و آله فسر القرآن الكريم على مستويين:
فقد كان يفسّره على (المستوى العام) في حدود الحاجة، ومتطلبات الموقف الفعلي، ولهذا لم يستوعب القرآن كله.
وكان يفسّره على مستوى خاص تفسيراً شاملًا كاملًا بقصد إيجاد من يحمل تراث القرآن، ويندمج به اندماجاً مطلقاً بالدرجة التي تتيح له أن يكون مرجعاً بعد ذلك في فهم الامّة للقرآن، وضماناً لعدم تأ ثّر الامّة في فهمها باطارات فكرية خاصة ومسبقات ذهنية، أو رواسب جاهلية.
ونحن اذا فسرنا الموقف على هذا الضوء، وجدنا أ نّه يتفق مع طبيعة الاشياء من كلّ ناحية.
فندرة ما صح عن الصحابة من الروايات عن النبي صلى الله عليه و آله في التفسير مردها الى أنّ التفسير على (المستوى العام) لم يكن يتناول جميع الآيات، بل كان يقتصر على قدر الحاجة الفعلية.