بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه، في مفرداته وتراكيبه»[1].
فإنّ نزول القرآن بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم لا يكفي وحده دليلًا على أ نّهم كانوا- على وجه العموم- يفهمونه، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه، ويدركون كل ما يدلّ عليه اللفظ القرآني من احكام ومفاهيم، لأنّ كون الشخص من ابناء لغة معينة لا يعني اطلاعه عليها اطلاعاً شاملًا، واستيعابه لمفرداتها وأساليبها في التعبير، وفنونها في القول، وانما يعني فهمه للّغة بالقدر الذي يدخل في حياته الاعتيادية.
ومن ناحية اخرى لا يتوقف فهم الكلام واستيعابه على المعلومات اللغوية فحسب، بل يتوقف اضافة الى ذلك على استعداد فكري خاص، ومران عقلي يتناسب مع مستوى الكلام، ونوع المعاني التي سيق لبيانها، واذا كان العرب- وقتئذ- يعيشون حياة جاهلية من القاعدة الى القمة، ويعبرون عن تراث جاهلي سيطر على مختلف شؤون حياتهم قروناً عديدة فمن الطبيعي ان لا يتيسر لهم حين الدخول في الاسلام- بصورة تلقائية- الارتفاع ذهنياً وروحياً الى المستوى الذي يتيح لهم استيعاب مدلولات اللفظ القرآني، ومعاني الكتاب الكريم الذي جاء ليهدم الحياة الجاهلية ويقوض أسسها، ويبني الانسان من جديد.
ومن ناحية ثالثة نحن نعرف أنّ عملية فهم القرآن الكريم لا يكفي فيها النظر الى جملة قرآنية أو مقطع قرآني، بل كثيراً ما يحتاج فهم هذا المقطع أو تلك الجملة الى مقارنة بغيره، مما جاء في الكتاب الكريم أو الى تحديد الظروف والملابسات، وهذه الدراسة المقارنة لها قريحتها، وشروطها الفكرية الخاصة، وراء الفهم اللغوي الساذج؛ وهكذا نعرف انّ طبيعة الاشياء تدل على أنّ الصحابة
[1] تاريخ ابن خلدون 1: 438