أنّ قسماً من القرآن يستعصي على الفهم ولا يعلمه إلّا اللَّه والراسخون في العلم، وأمّا ما يتاح للانسان الاعتيادي فهمه وتفسيره ومعرفة معناه من القرآن فهو الآيات المحكمة منه فقط.
وهذا الموقف الذي وقفه اولئك المفسرون من هذه الآية الكريمة، وحملهم لكلمة التأويل على ضرب من التفسير نتيجة لانسياقهم مع المعنى الاصطلاحي لكلمة التأويل، ونحن بازاء موقف من هذا القبيل يجب أن نعرف قبل كل شيء أنّ المعنى الاصطلاحي هل كان موجوداً في عصر القرآن؟ وهل جاءت كلمة التأويل بهذا المعنى وقتئذ؟ ولا يكفي مجرد انسياق المعنى الاصطلاحي مع سياق الآية لنحمل كلمة التأويل فيها عليه.
وملاحظة ما عدا الاولى من الآيات التي جاءت فيها كلمة التأويل تدل على أ نّها كانت تستعمل في القرآن الكريم بمعنى آخر غير التفسير، ولا نملك دليلًا على أ نّها استعملت بمعنى التفسير في مورد ما من القرآن.
والمعنى الذي يناسب تلك الآيات هو ان يكون المراد بتأويل الشيء ما يؤول إليه، ولهذا اضيف التأويل الى الرد الى اللَّه والرسول تارة، والى الكتاب اخرى، والى الرؤيا، والى الوزن بالقسطاس المستقيم.
وهذا نفسه هو المراد في أكبر الظنّ من كلمة التأويل في الآية الاولى التي اضيف فيها التأويل الى الآيات المتشابهة في قوله تعالى: «…. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ …»[1]، فتأويل الآيات المتشابهة ليس بمعنى بيان مدلولها وتفسير معانيها اللغوية، بل هو ما تؤول إليه تلك المعاني، لأن كل معنى عام حين يريد العقل ان يحدده ويجسده ويصوره
[1] آل عمران: 7