والقرآن ذو دور إيجابي، والقرآن يعطي حينئذٍ، وبقدر ما يفهم هذا المفسّر من مدلول اللفظ يسجّل في تفسيره.
وخلافاً لذلك المفسّر التوحيدي والموضوعي فإنّه لا يبدأ عمله من النّص، بل من واقع الحياة، يركّز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية، ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل، وما قدّمه الفكر الإنساني من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ومن نقاط فراغ، ثم يأخذ النصّ القرآني، لا ليتّخذ من نفسه بالنسبة إلى النّص دور المستمع والمسجّل فحسب، بل ليطرح بين يدي النّص موضوعاً جاهزاً مشرّباً بعدد كبير من الأفكار والمواقف البشرية، ويبدأ مع النّص القرآني حواراً، سؤالًا وجواباً، المفسّر يسأل والقرآن يجيب، المفسّر على ضوء الحصيلة التي استطاع أن يجمعها من خلال التجارب البشرية الناقصة، من خلال أعمال الخطأ والصواب التي مارسها المفكّرون على الأرض، لابدّ وأن يكون قد جمع حصيلةً ترتبط بذلك الموضوع، ثم ينفصل عن هذه الحصيلة ليأتي ويجلس بين يدي القرآن الكريم، لا يجلس ساكتاً ليستمع فقط بل يجلس محاوراً، يجلس سائلًا ومستفهماً ومتدبّراً، فيبدأ مع النّص القرآني حواراً حول هذا الموضوع، وهو يستهدف من ذلك أن يكتشف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح والنظرية التي بإمكانه أن يستلهمها من النّص، من خلال مقارنة هذا النّص بما استوعبه الباحث عن الموضوع من أفكار واتّجاهات.
ومن هنا كانت نتائج التفسير الموضوعي نتائج مرتبطة دائماً بتيّار التجربة البشرية؛ لأنّها تمثّل المعالم والاتّجاهات القرآنية لتحديد النظرية الإسلامية بشأن موضوع من مواضيع الحياة.
ومن هنا أيضاً كانت عملية التفسير الموضوعي عملية حوار مع القرآن