فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا»[1]. وكانت حياة محمد صلى الله عليه و آله رداً مفحماً لهم، فقد عاش في مكة ولم تتهيأ له أية دراسة لأساطير الاولين، أو كتب العهدين: التوراة والانجيل، ولم يخرج من المنطقة إلّامرتين، سافر فيهما الى الشام، احداهما: في طفولته مع عمه لقي فيها بحيرا، وهو ابن تسع سنين، فقال هذا الراهب لعمّه:
«سيكون لابن اخيك هذا شأن عظيم»[2]. والاخرى: في تجارة خديجة وهو شاب وكان بصحبته ميسرة غلام خديجة، ولم يتجاوز صلى الله عليه و آله سوى مدينة بصرى، في كلتا الرحلتين القصيرتين؛ فأين تأتَّى للنبي ان يدرس التوراة أو يكتب أساطير الأوّلين؟!
والحقيقة انّ مقارنة القصص التي جاءت في القرآن الكريم بالعهد القديم تؤكد التحدي، اذ تبرز اعجاز القرآن بصورة اوضح، لأنّ التوراة التي شهد القرآن بتحريفها كانت قصصها وأحاديثها- عن ماضي الامم واحداثها- مشحونة بالخرافات والاساطير وما يُسيء الى كرامة الانبياء، ويبتعد بالقصة عن اهداف التبليغ والدعوة، بينما نجد قصص تلك الامم في القرآن، قد نقيت من تلك العناصر الغريبة، وابرزت فيها الجوانب التي تتصل بأهداف التبليغ، واستعرضت بوصفها عظة وعبرة لا مجرد تجميع اعمى للمعلومات.
وكما كان القرآن محيطاً بالماضي، كذلك كان محيطاً بالمستقبل، فكم من خبر مستقبل كشف القرآن حجابه فتحقق وفقاً لما أخبر به، ورآه المشركون؛ ومن هذا القبيل إخبار القرآن بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، اذ قال تعالى:
«غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْع
[1] الفرقان: 5
[2] بحار الانوار 35: 139