الأخلاقي أو الاجتماعي وسواء ما يتعلّق بالجانب الايجابي، كعرض مفاهيمها على الكون والحياة والأخلاق والمجتمع، أو ما يتعلق بالجانب السلبي، كمناقشة الأفكار الكافرة التي كانت تسود المجتمع آنذاك.
وهذه الحقيقة تفرض- بطبيعة الحال- ان يكون القسم المكي أكثر شمولًا واتّساعاً من جانب وأن يكون مرتبطاً- بمادته وموضوعاته- بالاسس والركائز للرسالة الجديدة من جانب آخر، وهذا هو الذي يفسّر لنا غلبة المكي على المدني من الناحية الكمية، مع أنّ الفترة المدنية تبدو- تأريخياً- وكأ نّها زاخرة بالأحداث الجسام، والمجتمع المدني أكثر تعقيداً ومشاكل، كما أنّ هذا بنفسه بالإضافة إلى الفكرة التي أشرنا إليها وهي مراعاة الظروف التي تشير بها الدعوة يفسّر لنا هذه الخصائص والميّزات التي غلبت على المكّي من جانب، والمدني من جانب آخر.
فأمّا بالنسبة إلى الخصيصة الاولى: نلاحظ أنّ المجتمع المكّي كان مجتمعاً يتّسم بطابع الوثنية في الجانب العقيدي بالإضافة إلى أنّ إيضاح الموقف تجاهها يشكّل نقطة أساسية في القاعدة للرسالة الجديدة لأنّها تتبنّى التوحيد الخالص كأساس لكلّ جوانبها وتفصيلاتها الاخرى. فكان من الطبيعي التأكيد على فكرة رفض الشرك والوثنية والدخول في مناقشة طويلة معها بشتّى الأساليب والطرق.
وبالنسبة إلى الخصيصة الثانية: نلاحظ أنّ المجتمع المكّي لم يكن يؤمن بفكرة الإله الواحد كما لا يؤمن بعوالم الغيب والبعث والجزاء والوحي وغير ذلك، وهذه الافكار من القواعد الأساسية للرسالة والعقيدة الاسلامية.
بالإضافة الى أنّ مجتمع أهل الكتاب كان يؤمن بهذه الاصول جميعها، فكان من الضروري أن يؤكد القسم المكي على ذلك، انسجاماً مع طبيعة المرحلة المكية التي تعتبر مرحلة متقدمة، كما أنّ بيانها في هذه المرحلة يجعل المرحلة الثانية في غنى عن بيانها مرة اخرى.