أن يصمد أمام النقد العلمي أو الدرس الموضوعي، ولكن مع كل ذلك يجدر بنا أن نقدم تفسيراً منطقياً لظاهرة الفرق بين القسم المكي والقسم المدني، وان كنا قد ألمحنا الى جانب من هذا التفسير عندما تناولنا الشبهات بالنقد والمناقشة.
ويحسن بنا ان نذكر الفروق الحقيقية التي امتاز بها المكي عن المدني سواء ما يتعلق بالاسلوب أو بالموضوع الذي تناوله القرآن، ثم نفسر هذه الفروق على اساس الفكرة التي أشرنا إليها في صدر البحث، والتي تقول: إنّ هذه الفروق كانت نتيجة لمراعاة ظروف الدعوة والأهداف التي تسعى الى تحقيقها، لأنّ الهدف والغاية يلقيان- في كثير من الأحيان- بظلّهما على طريق العرض والمادة المعروضة.
وتُلخص هذه الفروق والخصائص التي يمتاز بها المكي عن المدني غالباً بالامور التالية[1]:
1- ان المكي عالج بشكل أساسي مبادئ الشرك والوثنية، واسسها النفسية والفكرية، ومؤداها الأخلاقي والاجتماعي.
2- وقد اكد على ما في الكون من بدائع الخلقة وعجائب التكوين، الأمر الذي يشهد بوجود الخالق المدبر لها. كما أكد (عالم الغيب) و (البعث والجزاء) و (الوحي) و (النبوّات) وشرح ما يرتبط بذلك من أدلة وبراهين، كما خاطب الوجدان الانساني وما أودعه اللَّه فيه من عقل وحكمة وشعور.
3- والى جانب ذلك تحدث عن الأخلاق بمفاهيمها العامة، مع ملاحظة الجانب التطبيقي منها وحذر من الانحراف فيها كالكفر والعصيان والجهل
[1] سبق أن اشرنا الى هذه الميزات وغيرها عند البحث عن المكي والمدني.( المؤلّف قدس سره)