بالإضافة الى أ نّنا نجد في القسم المكي، وفي سورة الانعام[1] بالخصوص مناقشة لكثير من تشريعات أهل الكتاب والتزاماتهم، وهذا يدل على معرفة القرآن الكريم بهذه التشريعات وغيرها مسبقاً.
وثانياً: إنّ هذه الظاهرة يمكن ان نطرح في تفسيرها نظرية اخرى تنسجم مع الأساس الموضوعي لوجود الظاهرة القرآنية نفسها، وهذه النظرية هي ان يقال: إنّ الحديث عن التشريع في مكة كان شيئاً سابقاً لأوانه، حيث لم يتسلم الاسلام حينذاك زمام الحكم بعد، بينما الامر في المدينة على العكس؛ فلم يتناول القسم المكي التشريع، لأن ذلك لا يتفق مع المرحلة التي تمر بها الدعوة، وانما تناول الجوانب الاخرى التي تنسجم مع الموقف العام، كما سوف نشرح ذلك قريباً.
د- لم يتناول القسم المكي في مادته الأدلة والبراهين:
وقالوا: إنّ القسم المكي لم يتناول أيضاً الأدلة والبراهين على العقيدة واصولها، على خلاف القسم المدني؛ وهذا تعبير آخر أيضاً عن تأثر القرآن بالظروف الاجتماعية والبيئة، اذ عجزت الظاهرة القرآنية- بنظر هؤلاء- عن تناول هذا الجانب الذي يدل على عمق النظر في الحقائق الكونية، عندما كان يعيش محمد صلى الله عليه و آله في مكة مجتمع الاميين، بينما ارتفع مستوى القرآن في هذا الجانب عندما أخذ محمد صلى الله عليه و آله يعيش الى جانب أهل الكتاب في المدينة، وذلك نتيجة لتأثره بهم ولتطور الظاهرة القرآنية نفسها أيضاً.
وتناقش هذه الشبهة من وجهين:
الاول: أنّ القسم المكي لم يخلُ من الأدلة والبراهين بل تناولها في كثير من
[1] الآيات: 119- 121 و 138- 146