المكي والمدني على أساس الترتيب الزمني- كما يقرره الاتجاه الاول- أنفع وأفيد للدراسات القرآنية، لأنّ التمييز من ناحية زمنية بين ما انزل من القرآن قبل الهجرة وما انزل بعدها أكثر أهمية للبحوث القرآنية من التمييز على اساس المكان بين ما انزل على النبي في مكة وما انزل عليه في المدينة، فكان جعل الزمن أساساً للتمييز بين المكي والمدني واستخدام هذا المصطلح لتحديد الناحية الزمنية أوفق بالهدف.
وتتجلى أهمية التمييز الزمني من التمييز المكاني في نقطتين:
احداهما: (فقهية) أي أ نّها ترتبط بعلم الفقه ومعرفة الاحكام الشرعية، وهي أنّ تقسيم الآيات على اساس الزمن الى مكية ومدنية وتحديد ما نزل قبل الهجرة وما نزل بعد الهجرة يساعدنا على معرفة الناسخ والمنسوخ، لأنّ الناسخ متأخر بطبيعته على المنسوخ زماناً، فاذا وجدنا حكمين ينسخ أحدهما الآخر استطعنا أن نعرف الناسخ عن طريق التوقيت الزمني، فيكون المدني منهما ناسخاً للمكي لأجل تأخّره عنه زماناً[1].
والاخرى هي: أنّ التقسيم الزمني للآيات الى مكية ومدنية يجعلنا نتعرّف على مراحل الدعوة التي مرّ بها الاسلام على يد النبي، فإنّ الهجرة المباركة ليست
[1] هذه النقطة انما تكون مهمة بناء على المذهب المعروف في علوم القرآن الذي يقول بوجود النسخ بين الآيات القرآنية، من خلال افتراض وجود حكمين متخالفين احدهما متأخر عن الآخر زماناً فيفترض أنّ الثاني ناسخ للاول؛ وأمّا اذا التزمنا بعدم وجود النسخ بهذا الشكل وانما موارد النسخ في القرآن مبيّنة من خلال نظر الآية الناسخة للآية المنسوخة في مضمونها …، فلا تبقى قيمة لهذه النقطة وإنّما تكون مجرد فرضية، وللمزيد من التوضيح يراجع بحث( النسخ)- المؤلف قدس سره