كانت كل آية في القرآن إمّا مكية وإمّا مدنية، لأنّها اذا كانت نازلة قبل هجرة النبي الى المدينة ودخوله فيها فهي مكية، وإن نزلت على النبي في طريقه من مكة الى المدينة، وإذا كانت نازلة بعد دخول النبي مهاجراً الى المدينة فهي مدنية، مهما كان مكان نزولها.
وأمّا على الاتجاهين الأخيرين في تفسير المصطلح فقد نجد آية ليست مكية ولا مدنية، كما اذا كان موضع نزولها مكاناً ثالثاً لا مكة ولا المدينة ولم يكن خطابها لاهل مكة أو أهل المدينة، نظير الآيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه و آله في معراجه أو اسرائه.
الترجيح بين الاتجاهات الثلاثة:
واذا أردنا أن نقارن بين هذه الاتجاهات الثلاثة لنختار واحداً منها فيجب ان نطرح منذ البدء الاتجاه الثالث، لانه يقوم على (اساس خاطئ) وهو الاعتقاد بأنّ من الآيات ما يكون خطاباً لاهل مكة خاصة ومنها ما يكون خطاباً لأهل المدينة؛ وليس هذا بصحيح، فإنّ الخطابات القرآنية عامة وانطباقها حين نزولها على أهل مكة أو على أهل المدينة لا يعني كونها خطاباً لهم خاصة أو اختصاص ما تشتمل عليه من توجيه أو نصح أو حكم شرعي بهم، بل هي عامة ما دام اللفظ فيها عاماً.
والواقع أنّ لفظ المكي والمدني ليس لفظاً شرعياً حدّد النبي مفهومه لكي نحاول اكتشاف ذلك المفهوم، وإنّما هو مجرد اصطلاح تواضع عليه علماء التفسير؛ وما من ريب في أنّ كل احد له الحق في أن يصطلح كما يشاء، فلسنا هنا بصدد أن نخطئ الاتجاه الأوّل أو الاتجاه الثاني ما دام لا يعبر كل منهما الا عن اصطلاح، من حق اصحاب ذلك الاتجاه ان يضعوه، ولكنا نرى أنّ وضع مصطلح