وفي مقابل تلك التجربة الناجحة التي مارسها القرآن الكريم لتحريم الخمر نجد أنّ أرقى شعوب العالم الغربي مدنية وثقافة فشل في تجربة مماثلة؛ فقد حاولت الولايات المتحدة الاميركية في القرن العشرين أن تخلص شعبها من مضار الخمر فشرعت في سنة (1920) قانوناً لتحريم الخمر، ومهدت لهذا القانون بدعاية واسعة عن طريق السينما والتمثيل والاذاعة ونشر الكتب والرسائل، وكلّها تبين مضار الخمر مدعومة بالاحصائيات الدقيقة والدراسات الطبية.
وقد قُدِّر ما انفق على هذه الدعاية (65) مليوناً من الدولارات، وسوّدت تسعة آلاف مليون صفحة في بيان مضارّ الخمر والزجر عنها، ودلت الاحصائيات للفترة الواقعة بين تأريخ تشريعه وبين تشرين الاول (1933) أ نّه قُتل في سبيل تنفيذ هذا القانون مائتا نسمة، وحبس نصف مليون نسمة، وغرم المخالفون له غرامات تبلغ مليوناً ونصف المليون من الجنيهات، وصودرت اموال بسبب مخالفته تقدر باربعمائة مليون جنيه، وأخيراً اضطرت الحكومة الاميركية الى الغاء قانون التحريم في أواخر سنة (1933)، وفشلت التجربة.
والسبب في ذلك أنّ الحضارات الغربية بالرغم من مناداتها بالحرية لم تستطع بل لم تحاول ان تمنح الانسان الغربي (الحرية الحقيقية) التي حقّقها القرآن الكريم للانسان المسلم، وهي حريته في مقابل شهواته وامتلاكه لارادته أمام دوافعه الحيوانية، فقد ظنت الحضارات الغربية أنّ (الحرية) هي أن يقال للانسان:
اسلك كما تشاء وتصرّف كما تريد، وتركت لاجل ذلك معركة التحرير الداخلي للانسان من سيطرة تلك الشهوات والدوافع، فظلّ الانسان الغربي أسير شهواته عاجزاً عن امتلاك ارادته والتغلّب على نزعاته، بالرغم من كلّ ما وصل إليه من علم وثقافة.