تنبيه للانسان الى ما يشتهيه، لا قوة دافعة تسخر إرادة الانسان دون ان يملك بأزائها حولًا أو طولًا؛ وقد اطلق الرسول الاعظم صلى الله عليه و آله على عملية تحرير الانسان هذه من شهواته الداخلية اسم «الجهاد الاكبر».
واذا لاحظنا قصة تحريم الخمر في الاسلام استطعنا أن ندرك- من خلال هذا المثال- مدى نجاح القرآن في تحرير الانسان المسلم من أسر الشهوة وتنمية إرادته وصموده ضدها؛ فقد كان العرب في الجاهلية مولعين بشرب الخمر معتادين عليها، حتى أصبح ضرورة من ضرورات الحياة بحكم العادة والالفة، وشغلت الخمر جانباً كبيراً من شعرهم وتأريخهم وأدبهم، وكثرت أسماؤها وصفاتها في لغتهم، وكانت حوانيت الخمارين مفتوحة دائماً ترفرف عليها الأعلام، وكان من شيوع تجارة الخمر أن أصبحت كلمة التجارة مرادفة لبيع الخمر في مثل هذا الشعب المغرم بالخمر نزل القرآن الكريم بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»[1].
فما قال القرآن «اجتنبوه» إلّا و انطلق المسلمون الى زقاق خمورهم يشقونها بالمدي والسكاكين يريقون ما فيها، ويفتشون في بيوتهم لعلّهم يجدون بقية من خمر فاتهم ان يريقوها، وتحولت الامّة القرآنية في لحظة الى امّة تحارب الخمر وتترفع عن استعماله، كل ذلك حدث لأنّ الامّة كانت مالكة لارادتها، (حرة) في مقابل شهواتها، قادرة على الصمود أمام دوافعها الحيوانية، وأن تقول بكلّ صرامة وجد حين يدعو الموقف الى ذلك، وبكلمة مختصرة كانت تتمتع «بحرية (حقيقية) تسمح لها بالتحكم في سلوكها».
[1] المائدة: 90