ب- تحرير القرآن للعقول:
كانت الأساطير والخرافات شائعة بين العرب، نظراً لانخفاض مستواهم الفكري واميتهم بصورة عامة، فكانوا يعتقدون- مثلًا- أنّ نفس الانسان طائر ينبسط في جسم الانسان، فاذا ما مات أو قتل يكبر هذا الطائر حتى يصير في حجم البوم، ويبقى ابداً يصرخ ويتوحش ويسكن في الديار المعطلة والمقابر ويسمّونه الهام. كما كانوا يعتقدون بالغيلان ويؤمنون بأساطيرها، ويزعمون أنّ الغول يتغول لهم في الخلوات، ويظهر لخواصهم في أنواع من الصور، فيخاطبونها وربما ضيفوها، وكانت لهم أبيات من الرجز يتناقلون حفظها، ويعتقدون أنّ فائدتها هي طرد الغيلان اذا اعترضتهم في طريقهم وأسفارهم، الى غير ذلك من العقائد الخرافية التي كانوا يؤمنون بها.
وقد جاء القرآن الكريم برسالة الاسلام، فحارب تلك العقائد والخرافات، ومحا تلك الأوهام عن طريق تنوير عقول العرب والدعوة الى التفكير الاصيل، والتدبر والاعتماد على العقل، والمطالبة برفض التقليد، وعدم الجمود على تراث السلف، بدون تمحيص أو تحقيق؛ قال اللَّه تعالى: «وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ»[1].
وقد أدت هذه الدعوة من القرآن الى تعريض كل الافكار السابقة والموروثة الى الامتحان من جديد على ضوء المنطق، والعقل، وعلى هدى الاسلام، فأسفر ذلك عن اضمحلال تلك الخرافات، وزوال تلك العقائد الجاهلية، وتحرر العقول من قيودها، وانطلاقها في طريق التفكير السليم.
[1] البقرة: 170