وينبغي أن يكون واضحاً أنّ الفصل بين الاتّجاهين المذكورين ليس حدّياً على مستوى الواقع العملي والممارسة التاريخية لعملية التفسير؛ لأنّ الاتّجاه الموضوعي بحاجة طبعاً إلى تحديد المدلولات التجزيئية للآيات التي يريد التعامل معها ضمن إطار الموضوع الذي يتبنّاه، كما أنّ الاتّجاه التجزيئي قد يعثر في أثناء الطريق على حقيقة قرآنية من حقائق الحياة الاخرى، ولكنّ الاتّجاهين على أيّ حال يظلّان على الرغم من ذلك مختلفين في ملامحهما وأهدافهما وحصيلتهما الفكرية.
ومما ساعد على شيوع الاتّجاه التجزيئي للتفسير وسيطرته على الساحة قروناً عديدة النزعةُ الروائية والحديثية للتفسير؛ حيث إنّ التفسير لم يكن في الحقيقة وفي البداية إلّاشعبة من الحديث بصورة واخرى، وكان الحديث هو الأساس الوحيد تقريباً مضافاً إلى بعض المعلومات اللغوية والأدبية والتاريخية، كان هو الأساس الوحيد مضافاً إلى بعض هذه المعلومات التي يعتمد عليها التفسير طيلة فترة طويلة من الزمن.
ومن هنا لم يكن بإمكان تفسير يقف عند حدود المأثور من الروايات عن الصحابة والتابعين وعن الرسول والأئمة، الروايات التي كانت تثيرها استفهامات عقلية على الأغلب من قبل الناس، من قبل السائلين، لم يكن بإمكان تفسير يعتمد على هذه الروايات التي تستثار من قبل أسئلة عقلية من هذا القبيل، لم يكن بإمكانه أن يتقدّم خطوة اخرى وأن يحاول تركيب مدلولات القرآن والمقارنة بينها واستخراج النظرية من وراء هذه المدلولات اللفظية.
التفسير كان بطبعه تفسيراً لفظياً، تفسيراً للمفردات، لما استبدل من المفردات، وشرح بعض المستجدّ من المصطلحات وتطبيق بعض المفاهيم على أسباب النزول، ومثل هذه العملية لم يكن بامكانها أن تقوم بدور اجتهادي