«وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً …»[1] ويذكِّره بسيرة الانبياء الذين تقدموه من اولي العزم، فيقول: «… فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ …»[2] ويخفف عنه احياناً، ويعلمه أنّ الكافرين لا يجرحون شخصه ولا يتهمونه بالكذب لذاته، وانما يعاندون الحق بغياً كما هو شأن الجاحدين في كل عصر كما في قوله: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ»[3].
3- إنّ القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلف للتعليم والبحث العلمي، وانما هو عملية تغيير الانسان تغييراً شاملًا كاملًا في عقله وروحه وإرادته، وصنع امّة وبناء حضارة، وهذا العمل لا يمكن ان يوجد مرة واحدة وانما هو عمل تدريجي بطبيعته، ولهذا كان من الضروري ان ينزل القرآن الكريم تدريجاً، ليحكم عملية البناء وينشئ أساساً بعد اساس، ويجتذ جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة.
وعلى أساس هذه الأناة والحكمة في عملية التغيير والبناء نجد أنّ الاسلام تدرج في علاج القضايا العميقة بجذورها في نفس الفرد أو نفس المجتمع، وقاوم بعضها على مراحل حتى استطاع ان يستأصلها ويجتث جذورها، وقصة تحريم الخمر وتدرّج القرآن في الاعلان عنها من أمثلة ذلك، فلو أنّ القرآن نزل جملة واحدة بكل احكامه ومعطياته الجديدة لنفر الناس منه، ولما استطاع أن يحقق الانقلاب العظيم الذي أنجزه [في] التأريخ.
[1] يونس: 65
[2] الاحقاف: 35
[3] الانعام: 33