سنة، تبعاً لما مرت به الدعوة من محن وقاسته من شدائد وما احرزته من انتصار وسجّلته من تقدم، وهي حالات يتفاعل معها الانسان الاعتيادي وتنعكس على روحه وأقواله وأفعاله ويتأ ثّر بأسبابها وظروفها والعوامل المؤثرة فيها، ولكن القرآن الذي واكب تلك السنين بمختلف حالاتها في الضعف والقوّة، في العسر واليسر، في لحظات الهزيمة ولحظات الانتصار، والتنزيل تدريجاً خلال تلك الاعوام كان يسير دائماً على خطه الرفيع لم ينعكس عليه أي لون من ألوان الانفعال البشري الذي تثيره تلك الحالات.
وهذا من مظاهر الاعجاز في القرآن التي تبرهن على تنزيله من لدن علي حكيم؛ ولم يكن القرآن ليحصل على هذا البرهان لولا انزاله تدريجاً في ظروف مختلفة وأحوالٍ متعددة[1].
2- إنّ القرآن بتنزيله تدريجاً كان امداداً معنوياً مستمراً للنبي صلى الله عليه و آله كما قال اللَّه تعالى: «وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا»[2].
فإنّ الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك نزول الملك إليه وتجدد العهد به وتقوية أمله في النصر، واستهانته بما يستجد ويتعاقب من محن ومشاكل.
ولهذا نجد أنّ القرآن ينزل مسلياً للنبي مرة بعد مرة مهوناً عليه الشدائد كلما وقع في محنة، يأمره تارة بالصبر أمراً صريحاً، فيقول: «وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا»[3] وينهاه تارة اخرى عن الحزن كما في قوله:
[1] سوف نتعرف على مزيد من التوضيح لهذا المعنى في بحث اعجاز القرآن.( المؤلّف قدس سره)
[2] الفرقان: 32
[3] المزمل: 10