لم يكن يرى شيئاً إلّاوكان يرى اللَّه معه وقبله وبعده. حبّ الدنيا في الدرجة الثانية يصل إلى مستوى بحيث إنّ الإنسان لا يرى شيئاً إلّاويرى الدنيا فيه وقبله وبعده ومعه. حتى الأعمال الصالحة تتحوّل عنده وبمنظاره إلى دنيا، تتحوّل عنده إلى متعة، إلى مصلحة شخصية، حتى الصلاة، حتى الصيام، حتى البحث، حتى الدرس، هذه الألوان كلّها تتحوّل إلى دنيا. لا يمكنه أن يرى شيئاً إلّامن خلال الدنيا، إلّامن خلال مقدار ما يمكن لهذا العمل أن يعطيه، يعطيه من حفنة مال أو من كومة جاه. لا يمكن أن يستمرّ معه إلّابضعة أيام معدودة. هذه هي الدرجة الثانية.
وكل من الدرجتين مهلكة، والدرجة الثانية أشدّ هلكة من الدرجة الاولى، ولهذا قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «حبّ الدنيا رأس كل خطيئة»[1]، قال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام: «الدنيا كماء البحر من ازداد شرباً من ماء البحر ازداد عطشاً»[2]. كلّما شرب أكثر فأكثر من ماء البحر أصبح أكثر عطشاً. لا تقل: فلآخذ هذه الحفنة من الدنيا ثم أنصرف عنها، فلأحصل على هذه المرتبة من جاه الدنيا ثم أنصرف إلى اللَّه. ليس الأمر كذلك، فإنّ أيّ مقدار تحصل عليه من مال الدنيا، من جاه الدنيا، من مقامات هذه الدنيا الزائلة، سوف يزداد بك العطش والنهم إلى المرتبة الاخرى: «الدنيا كماء البحر»، «الدنيا رأس كل خطيئة».
رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «من أصبح وأكبر همّه الدنيا فليس له من اللَّه شيء»[3]. هذا الكلام يعني قطع الصلة مع اللَّه، يعني أنّ ولاءين لا يجتمعان في
[1] بحار الأنوار 51: 258
[2] الكافي 2: 143، الحديث 24. مع اختلاف يسير
[3] بحار الأنوار 73: 104 باختلاف