العظيم استقطب وجدانه إلى الدرجة التي منعه من أن يرى شيئاً آخر غير اللَّه، حتى حينما كان يرى الناس، كان يرى فيهم عبيد اللَّه، حتى حينما كان يرى النعمة الموفورة، كان يرى فيها نعمة اللَّه سبحانه وتعالى. دائماً هذا المعنى الحرفي، هذا الربط باللَّه، دائماً وأبداً يتجسّد أمام عينه؛ لأنّ محبوبه الأوحد، ومعشوقه الأكمل، قبلة آماله وطموحاته، لم يسمح له بشريك في النظر، فلم يكن يرى إلّااللَّه سبحانه وتعالى. هذه هي الدرجة الثانية.
نفس التقسيم الثنائي يأتي في حبّ الدنيا، الذي هو رأس كل خطيئة على حدّ تعبير رسول اللَّه صلى الله عليه و آله[1]. حبّ الدنيا يتخذ درجتين:
الدرجة الاولى أن يكون حبّ الدنيا محوراً للإنسان، قاعدة للإنسان في تصرفاته وسلوكه. يتحرّك حينما تكون المصلحة الشخصية في أن يتحرك، ويسكن حينما تكون المصلحة الشخصية في أن يسكن. يتعبّد حينما تكون المصلحة الشخصية في أن يتعبد، وهكذا. الدنيا تكون هي القاعدة، لكن أحياناً أيضاً يمكن أن يفلت من الدنيا. يشتغل أشغالًا اخرى نظيفة طاهرة. قد يصلي للَّه سبحانه وتعالى، قد يصوم للَّهسبحانه وتعالى، لكن سرعان ما يرجع مرة اخرى إلى ذلك المحور وينشدّ إليه. فلتات يخرج بها من إطار ذلك الشيطان ثم يرجع إلى الشيطان مرة اخرى. هذه درجه اولى من هذا المرض الوبيل، مرض حبّ الدنيا.
وأمّا الدرجة الثانية من هذا المرض الوبيل فهي الدرجة المهلكة، حينما يعمي حبّ الدنيا هذا الإنسان، يسدّ عليه كل منافذ الرؤية، يكون بالنسبة إلى الدنيا كما كان سيد الموحدين وأمير المؤمنين بالنسبة إلى اللَّه سبحانه وتعالى: إنّه
[1] بحار الأنوار 51: 258