هذه النظريات التي قرأناها والتي انتهينا إليها على ضوء المجموعة المذكورة سابقاً من النصوص القرآنية، هذه النظريات هي في الحقيقة الأساس النظري للاتّجاه العام للتشريع الإسلامي، فإنّ الاستقلال النسبي بين الخطين: خط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان وخط علاقات الإنسان مع الطبيعة، هذا الاستقلال النسبي يشكّل القاعدة لعنصر الثبات في الشريعة الإسلامية والأساس لتلك المنطقة الثابتة من التشريع التي تحتوي على الأحكام العامة المنصوصة ذات الطابع الدائم المستمر في التشريع الإسلامي، بينما منطقة التفاعل بين الخطين: بين خط علاقات الإنسان مع الطبيعة وخط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان، منطقة التفاعل والمرونة تشكّل في الحقيقة الأساس لما أسميناه في كتاب «اقتصادنا» بمنطقة الفراغ، تشكّل الاساس للعناصر المرنة والمتحرّكة في التشريع الإسلامي، هذه العناصر المرنة والمتحرّكة في التشريع الإسلامي هي انعكاس تشريعي لواقع تلك المرونة وذلك التفاعل بين الخطين، والعناصر الاولى الثابتة والصامدة في التشريع الإسلامي هي انعكاس تشريعي لذلك الاستقلال النسبي الموجود بين الخطين: بين خط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان وخط علاقات الإنسان مع الطبيعة.
ومن هنا نؤمن بأنّ الصورة التشريعية الإسلامية الكاملة للمجتمع هي في الحقيقة تحتوي على جانبين: تحتوي على عناصر ثابتة، وتحتوي على عناصر متحرّكة ومرنة، وهذه العناصر المتحركة والمرنة التي ترك للحاكم الشرعي أن يملأها، فُرضت أمامه مؤشّرات اسلامية عامة أيضاً، لكي يملأ هذه العناصر المتحركة وفقاً لتلك المؤشرات الإسلامية العامة. وهذا بحث يحتاج إلى كلام أكثر من هذا تفصيلًا واطناباً. من المفروض أن نستوعب هذا البحث إن شاء اللَّه تعالى لكي نربط الجانب التشريعي من الإسلام بالجانب النظري التحليلي من القرآن