هؤلاء الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق تحاول الفرعونية أنّ توسّع منهم، وكلّما توسّعت هذه الفئة أكثر فأكثر قدّمت المجتمع نحو الدمار خطوة بعد خطوة؛ لأنّ هذه الفئة لا تستطيع بوجه من الوجوه أن تدافع عن المجتمع إذا حلّت كارثة في الداخل أو طرأت كارثة من الخارج، فكلّما توسّعت هذه الفئة، هذا القسم الثالث، هؤلاء الذين ينعقون مع كل ناعق، كلّما توسّعوا في المجتمع ازداد خطر فناء المجتمع، وبهذا تموت المجتمعات موتاً طبيعياً.
مفهوم الموت لدى القرآن للمجتمعات وللأقوام وللُامم، الموت الطبيعي للمجتمع لا الموت المخروم. المجتمع له موتان: موت طبيعي وموت مخروم.
الموت الطبيعي للمجتمع يكون عن طريق توسّع هذه الفئة الثالثة وازديادها نوعياً وعددياً في المجتمع إلى أن تحلّ الكارثة فينهار المجتمع.
هذه هي الطائفة الثالثة في عملية التجزئة الفرعونية.
الطائفة الرابعة:
الطائفة الرابعة: هم أولئك الذين يستنكرون الظلم في أنفسهم، اولئك الذين لم يفقدوا لبّهم أمام فرعون والفرعونية، فهم يستنكرون الظلم ولكنهم يهادنون الظلم ويسكتون عن الظلم، فيعيشون حالة التوتر والقلق في أنفسهم، وهذه الحالة- حالة التواتر والقلق- أبعد ما تكون عن حالة تسمح للإنسان بالإبداع والتجديد والنموّ على ساحة علاقات الإنسان مع الطبيعة. هؤلاء يسمّيهم القرآن الكريم ب «ظالمي أنفسهم». قال اللَّه سبحانه وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها»[1]، هؤلاء لم يظلموا الآخرين، ليسوا من الظالمين
[1] النساء: 97