الكيفية والكميّة على اتّجاه المسيرة وحجمها، تبنّي المسيرة البشرية لهذا المثل يتوقّف على عدّة امور:
أوّلًا: على رؤية واضحة فكرياً وإيديولوجياً لهذا المثل الأعلى، وهذه الرؤية الواضحة لهذا الأعلى عقيدة التوحيد على مرّ التاريخ، عقيدة التوحيد التي تنطوي على الإيمان باللَّه سبحانه وتعالى، التي توحّد بين كل المُثل، بين كلّ الغايات، كلّ الطموحات، كلّ التطلعات البشرية، توحّد بينها في هذا المثل الأعلى الذي هو علم كلّه، قدرة كلّه، عدل كلّه، رحمة كلّه، انتقام من الجبارين كلّه. هذا المثل الأعلى الذي تتوحّد فيه كلّ الطموحات وكلّ الغايات، هذا المثل الأعلى تعطينا عقيدة التوحيد رؤية واضحة له، تعلّمنا على أن نتعامل مع صفات اللَّه وأخلاق اللَّه لا بوصفها حقائق عينية منفصلة عنّا كما يتعامل فلاسفة الإغريق، وإنّما نتعامل مع هذه الصفات والأخلاق بوصفها رائداً عملياً، بوصفها هدفاً لمسيرتنا العملية، بوصفها مؤشّرات على الطريق الطويل للإنسان نحو اللَّه سبحانه وتعالى. عقيدة التوحيد هي التي توفّر هذا الشرط الأول: الرؤية الواضحة فكرياً وإيديولوجيا للمثل الأعلى.
ثانياً: لابدّ من طاقة روحية مستمدّة من هذا المثل الأعلى لكي تكون هذه الطاقة الروحية رصيداً ووقوداً مستمراً للإرادة البشرية على مرّ التاريخ، هذه الطاقة الروحية، هذا الوقود الذي يستمد من اللَّه سبحانه وتعالى يتمثّل في عقيدة يوم القيامة، في عقيدة الحشر والامتداد، عقيدة يوم القيامة تعلّم الإنسان أنّ هذه الساحة التاريخية الصغيرة التي يلعب عليها الإنسان مرتبطة ارتباطاً مصيرياً بساحات برزخية وبساحات حشرية في عالم البرزخ والحشر، وأنّ مصير الإنسان على تلك الساحات العظيمة الهائلة مرتبط بدوره على هذه الساحة التاريخية. هذه العقيدة تعطي تلك الطاقة الروحية، ذلك الوقود الرباني