لأنّ المَثَل الأعلى المنفصل عنه، لأنّ المثل الأعلى الذي هو فوقه، هذا المثل الأعلى أعطاه نفحة موضوعية من الشعور بالمسؤولية، وهذا الشعور بالمسؤولية تجسّد في كل كيانه، في كل مشاعره وأفكاره وعواطفه. ومن هنا كان النبيّ معصوماً على مرّ التاريخ.
إذن هذا المثل الأعلى بحسب الحقيقة يحدث تغييراً كيفياً على المسيرة؛ لأ نّه يعطي الشعور بالمسؤولية، وهذا الشعور بالمسؤولية ليس أمراً عرضياً، ليس أمراً ثانوياً في مسيرة الإنسان، بل هذا شرط أساسي في إمكان نجاح هذه المسيرة وتقديم الحل الموضوعي للتناقض الإنساني[1]، للجدل الإنساني؛ لأنّ الإنسان يعيش تناقضاً، الإنسان بحسب تركيبه وخلقته يعيش تناقضاً؛ لأنّه هو تركيب من حفنة من تراب ونفحة من روح اللَّه سبحانه وتعالى كما وصفت ذلك الآيات الكريمة. الآيات الكريمة قالت بأنّ الإنسان خلق من تراب، وقالت بأ نّه نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى[2].
إذن فهو مجموع نقيضين اجتمعا والتحما في الإنسان، حفنة التراب تجرّه إلى الأرض، تجرّه إلى الشهوات، إلى الميول، تجرّه إلى كل ما ترمز إليه الأرض من انحدار وانحطاط، وروح اللَّه سبحانه وتعالى التي نفخها فيه تجرّه إلى أعلى، تتسامى بإنسانيته إلى حيث صفات اللَّه، إلى حيث أخلاق اللَّه، «تخلّقوا بأخلاق
[1] لقد تكرّر من السيد الشهيد قدس سره هنا استعمال بعض المفردات كالتناقض والجدل واجتماع النقيضين ونحو ذلك، وليس مراده قدس سره المعنى المنطقي والفلسفي لهذه المصطلحات، بل استعملها بما لها من مفهوم اجتماعي ومعنى عرفي مسامحي
[2] من قبيل قوله تعالى:« وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ» السجدة: 7- 9