وإذا لم يكن هذا الكائن المسؤول مؤمناً بأ نّه بين يدي جهة أعلى، لا يمكن أن يكون شعوره بالمسؤولية شعوراً موضوعياً، شعوراً حقيقياً.
مثلًا تلك المُثُل المنخفضة، تلك الآلهة، تلك الأقزام المتعملقة على مرّ التاريخ، على مرّ المسيرة البشرية، هي في الحقيقة لم تكن كما رأينا وكما حلّلنا إلّا إفرازاً بشرياً، إلّاإنتاجاً إنسانياً، يعني أ نّها جزء من الإنسان، جزء من كيان الإنسان، والإنسان لا يمكن أن يستشعر بصورة موضوعية حقيقية المسؤولية تجاه ما يفرزه هو، اتجاه ما يصنعه هو، «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها»[1]، تلك المُثُل لا تصنع الشعور الموضوعي بالمسؤولية، نعم قد تصنع قوانين، قد تصنع عادات، قد تصنع أخلاقاً، ولكنّها كلها غطاء ظاهري، وكلّما وجد هذا الإنسان مجالًا للتحلّل من هذه العادات، ومن هذه الأخلاق، ومن هذه القوانين فسوف يتحلّل.
بينما المَثَل الأعلى لدين التوحيد، للأنبياء على مرّ التاريخ باعتباره واقعاً عينياً منفصلًا عن الإنسان، باعتباره جهة أعلى من الإنسان، ليس إفرازاً بشرياً، ليس إنتاجاً إنسانياً. إذن سوف يتوصّل للشعور بالمسؤولية شرطُه الموضوعي في المقام. لماذا كان الأنبياء على مرّ التاريخ أصلب الثوّار على الساحة التاريخية، أنظف الثوّار على الساحة التاريخية؟ لماذا كانوا على الساحة التاريخية فوق كل مساومة، فوق كل مهادنة، فوق كل تململ يمنة أو يسرة؟ لماذا كانوا هكذا؟ لماذا انهار كثير من الثوّار على مرّ التاريخ ولم نسمع أنّ نبياً من أنبياء التوحيد انهار أو تململ أو انحرف يمنة أو يسرة عن الرسالة التي بيده وعن الكتاب الذي يحمله من السماء؟
[1] النجم: 23