3- المثل الأعلى الحقيقي:
الآن نصل إلى النوع الثالث من المُثُل العليا. النوع الثالث من المُثُل العليا هو المثل الأعلى الحقيقي وهو اللَّه سبحانه وتعالى، في هذا المثل التناقض الذي واجهناه سوف يُحَلّ بأروع صورة. كنا نجد تناقضاً، وحاصل هذا التناقض هو أنّ الوجود الذهني للإنسان محدود، والمثل يجب أن يكون غير محدود، فكيف يمكن توفير المحدود وغير المحدود؟ وكيف يمكن التنسيق بين المحدود وغير المحدود؟
هذا التنسيق بين المحدود وغير المحدود سوف نجده في المثل الأعلى الذي هو اللَّه سبحانه وتعالى. لماذا؟ لأنّ هذا المثل الأعلى ليس من نتاج انسان، ليس إفرازاً ذهنياً للإنسان، بل هو مثل أعلى عيني له واقع عيني، هو موجود مطلق في الخارج، له قدرته المطلقة وله علمه المطلق وله عدله المطلق. هذا الموجود العيني بواقع العين يكون مثلًا أعلى؛ لأنّه مطلق، لكن الإنسان حينما يريد أن يستلهم من هذا النور، حينما يريد أن يمسك بحزمة من هذا النور، طبعاً هو لا يمسك إلّابالمقيد، إلّابقدر محدود من هذا النور، إلّاأ نّه يميّز، يميّز بين ما يمسك به وبين مثله الأعلى. المثل الأعلى خارج حدود ذهنه، لكنه يمسك بحزمة من النور، هذه الحزمة مقيدة لكن المثل الأعلى مطلق.
ومن هنا حرص الإسلام على التمييز دائماً بين الوجود الذهني وما بين اللَّه سبحانه وتعالى، بين المثل الأعلى. فرّق حتى بين الاسم والمسمّى، وأكد على أ نّه لا يجوز عبادة الاسم، وإنّما العبادة تكون للمسمّى؛ لأنّ الاسم ليس إلّاوجوداً ذهنياً، إلّاواجهة ذهنية للَّهسبحانه وتعالى، بينما الواجهات الذهنية دائماً محدودة، العبادة يجب أن تكون للمسمّى لا للاسم؛ لأنّ المسمّى هو المطلق، أمّا الاسم فهو مقيد ومحدود. الواجهات الذهنية تبقى كواجهات ذهنية محدودة مرحلية، وأمّا صفة المثل الأعلى تبقى قائمة باللَّه سبحانه وتعالى.
وهذا ما يأتي إن شاء اللَّه توضيحه.