نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً* وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً* كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً»[1]. اللَّه سبحانه وتعالى خير محض، عطاء محض، جود كلّه، فبقدر ما تتبنّى الامّة مثلًا قابلًا للتحريك، اللَّه سبحانه وتعالى أيضاً يعطي، لكنه يعطي بقدر قابلية هذا المثل، يعطي شيئاً عاجلًا لا أكثر.
في حالة من هذا القبيل تكون السلطة التي تمثّل هذا المثل، تكون هذه السلطة ذات مثل أعلى، ذات مثل يعطي ويبدع، وتكون قيادة موجّهة للُامة في حدود هذا المثل، وتكون للُامة دور المشاركة في صنع هذا المثل وفي تحقيق هذا المثل.
هذه المرحلة سوف تؤدّي إلى مكاسب، ولكنّها في النظر القرآني العميق الطويل الأمد مكاسب عاجلة تعقبها جهنم، جهنم في الدنيا وجهنم في الآخرة.
هذه هي المرحلة الاولى، مرحلة الإبداع والتجديد.
المرحلة الثانية: حينما يتجمّد هذا المثل الأعلى، حينما يستنفد طاقته وقدرته على العطاء، حينئذٍ يتحوّل هذا المثل إلى تمثال، لا يبقى مثلًا وإنّما سوف يتحوّل إلى تمثال. والقادة الذين كانوا يعطون ويوجّهون على أساسه يتحوّلون إلى سادة وكبراء لا إلى قادة، وجمهور الامّة يتحوّل إلى مطيعين ومنقادين لا إلى مشاركين في الإبداع والتطوير. وهذه المرحلة هي المرحلة التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: «وَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا»[2].
المرحلة الثالثة:
ثمّ تأتي المرحلة الثالثة، مرحلة الامتداد التاريخي لهؤلاء، هذه السلطة
[1] الإسراء: 18- 20
[2] الأحزاب: 67