وجود السراب على مقربة منه، إلّاأنّ هذا في الحقيقة ناشئ من عجز عينه عن أن يتابع المسافة الأرضية الطويلة الأمد.
كذلك هنا، هذا الإنسان الذي يقف على طريق التاريخ الطويل، على طريق المسيرة البشرية، له افق بحكم قصوره الذهني، بحكم محدودية الذهن البشري، له افق كذاك الافق الجغرافي، ولكن هذا الافق يجب أن يتعامل معه كافق لا كمطلق، كما إنّنا نحن على الصعيد الجغرافي لا نتعامل مع هذا الافق الذي نراه على بعد عشرين متراً أو مئتي متر أ نّه نهاية الأرض، وإنّما نتعامل معه كافق، كذلك أيضاً هنا يجب أن يتعامل هذا الإنسان معه كافق، لا يحوّل هذا الافق التاريخي إلى مثل أعلى وإلّا كان من قبيل من يسير نحو سراب.
انظروا إلى التمثيل الرائع في قوله سبحانه وتعالى: «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ»[1].
يعبّر القرآن عن كلّ هذه المثل المصطنعة من دون اللَّه سبحانه وتعالى بأ نّها كبيت العنكبوت. يقول سبحانه وتعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ» مُثُل عليا ومطلقات مصطنعة «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ»[2].
المقارنة بين المُثُل المنخفضة والمحدودة:
إذا قارنّا بين هذين النوعين من المثل العليا: المثل العليا المشتقة من الواقع والمثل العليا المشتقة من طموح محدود، يمكننا أن نلاحظ أنّ تلك المثل العليا
[1] النور: 39
[2] العنكبوت: 41