هذا المثل يكون معبّراً عن جزء من افق الحركة، بينما جُرّد منه ما يملأ كلّ افق الحركة.
الإنسان الاوروبي الحديث في بدايات عصر النهضة وضع مثلًا أعلى وهو الحرّية. جعل الحرّية مثلًا أعلى، لأنّه رأى أنّ الإنسان الغربي كان محطّماً ومقيّداً، كانت على يديه الأغلال في كل ساحات الحياة، كان مقيّداً في عقائده العلمية والدينية بحكم الكنيسة وتعنّت الكنيسة، كان مقيّداً في قوته ورزقه بأنظمة الإقطاع، كان مقيّداً أينما يسير. أراد الإنسان الاوروبي الرائد لعصر النهضة أن يحرّر هذا الإنسان من هذه القيود، من قيود الكنيسة، من قيود الإقطاع. أراد أن يجعل من الإنسان كائناً مختاراً، إذا أراد أن يفعل يفعل، يفكّر بعقله لا بعقل غيره، ويتصوّر ويتأمّل بذاته ولا يستمد هذا التصوّر كصيغ ناجزة من الآخرين.
وهذا شيء صحيح، إلّاأنّ الشيء الخاطئ في ذلك هو التعميم الافقي، فإنّ هذه الحرية بمعنى كسر القيود عن هذا الإنسان، هذا قيمة من القيم، هذا إطار للقيم، ولكن هذا وحده لا يصنع الإنسان، ليس هذا هو المثل الأعلى، فإنّ هذا وحده لا يصنع الإنسان. أنت لا تستطيع أن تصنع الإنسان بأن تكسر عنه القيود وتقول له: افعل ما شئت، لا يوجد إنسان ولا كائن، لا يوجد إقطاعي ولا قسيس ولا سلطان ولا طاغوت يضطرّك إلى موقف أو يفرض عليك موقفاً. هذا وحده لا يكفي فإنّ كسر القيود إنّما يشكّل الإطار للتنمية البشرية الصالحة. يحتاج هذا إلى مضمون، إلى محتوى، مجرّد أ نّه يستطيع أن يتصرّف، يستطيع أن يمشي في الأسواق هذا لا يكفي، أما كيف يمشي؟ ما هو الهدف الذي من أجله يمشي في الأسواق؟ المحتوى والمضمون هذا هو الذي فات الإنسان الاوروبي.
الإنسان الاوروبي جعل الحرية هدفاً وهذا صحيح، ولكنّه صيّر من هذا الهدف مثلًا أعلى، بينما هذا الهدف ليس إلّاإطاراً في الحقيقة، وهذا الإطار