2- المثل العليا المشتقّة من طموحٍ محدودٍ:
الآن تكلمنا عن امّةِ هذه الآلهة المنخفضة، حينما نتقدّم خطوة، إذا تقدمنا خطوة نجد أنّ المثل التكراري يتمزّق، أنّ الامّة تفقد ولاءها، أنّ الامّة تتحوّل إلى شبح تواجه أحد هذه الاجراءات الثلاثة.
الآن نرجع إلى الوراء خطوة، إذا رجعنا إلى الوراء خطوة، سوف نواجه النوع الثاني من الآلهة، من المثل العليا. أليس قلنا في البداية: إنّ المثل العليا على ثلاثة أنواع؟ تكلمنا الآن عن النوع الأول. إذا رجعنا خطوة إلى الوراء- وهذا ما سوف أشرح معناه بعد لحظات- سوف نواجه النوع الثاني من الآلهة من المثل العليا.
هذا النوع الثاني يعبّر عن كل مثل أعلى للُامة يكون مشتقّاً من طموح الامّة، من تطلّعها إلى المستقبل. ليس هذا المثل تعبيراً تكرارياً عن الواقع بل هو تطلّع إلى المستقبل، تحفّز نحو الجديد، نحو الإبداع والتطوير، ولكنّ هذا المثل منتزع عن خطوة واحدة من المستقبل، منتزع عن جزء من هذا الطريق الطويل المستقبلي، أي أنّ هذا الطموح الذي منه انتزعت الامّة مثلها، كان طموحاً محدوداً، كان طموحاً مقيداً لم يستطع أن يتجاوز المسافات الطويلة، وإنّما استطاع أن يكوّن رؤية مستقبلية محدودة، وهذه الرؤية المستقبلية المحدودة انتزع منها مثله الأعلى.
وفي هذا المثل الأعلى جانب موضوعي صحيح، ولكنّه يحتوي على إمكانيات خطر كبير. أمّا الجانب الموضوعي الصحيح فهو أنّ الإنسان عبر مسيرته الطويلة لا يمكنه أن يستوعب برؤيته الطريق الطويل الطويل كلّه، لا يمكنه أن يستوعب المطلق؛ لأنّ الذهن البشري محدود، والذهن البشري المحدود لا يمكن أن يستوعب المطلق، وإنّما هو دائماً يستوعب نفحة من المطلق، شيئاً من المطلق، يأخذ بيده قبضة من هذا المطلق تنير له الطريق، تنير له الدّرب. فكون دائرة