في مثل مستورد من الخارج. هذه الامّة بعد أن فقدت مثلها العليا النابعة منها، فقدت فاعليتها وأصالتها، حينئذٍ تفتّش عن مثل أعلى من الخارج لكي تعطيه ولاءها، لكي تمنحه قيادتها. هذا هو الإجراء التاريخي الثاني.
والإجراء التاريخي الثالث: أن ينشأ في أعماق هذه الامّة بذور إعادة المثل الأعلى من جديد بمستوى العصر الذي تعيشه تلك الامّة.
هذان الإجراءان: الإجراء الثاني والإجراء الثالث وقفت الامّة أمامهما على مفترق طريقين حينما دخلت عصر الاستعمار، حينما دخلت الامّة عصر الاستعمار وقفت على مفترق طريقين: كان هناك طريق يدعوها إلى الانصهار في مثل أعلى من الخارج، هذا الطريق الذي طبّقه جملة من حكّام المسلمين في بلاد المسلمين (كرضا خان)[1] في ايران و (أتاتورك)[2] في تركيا. حاول هؤلاء أن يجسّدوا المثل الأعلى للإنسان الاوروبي المنتصر، ويطبّقوا هذا المثل الأعلى ويكسبوا ولاء المسلمين أنفسهم لهذا المثل الأعلى، بعد أن ضاع المثل الأعلى في داخل المسلمين، بينما بوادر الفكر الإسلامي، روّاد الفكر الإسلامي في بدايات عصر الاستعمار وفي أواخر الفترة التي سبقت عصر الاستعمار، روّاد الفكر الإسلامي وروّاد النهضة الإسلامية أطلقوا جهودهم في سبيل الإجراء الثالث، في سبيل إعادة الحياة إلى الإسلام من جديد، في سبيل انتشار هذا المثل الأعلى وإعادة الحياة إليه وتقديمه بلغة العصر وبمستوى العصر وبمستوى حاجات المسلمين- الامّة تتحوّل إلى شبح فتواجه أحد هذه الإجراءات الثلاثة.
[1] رضا خان( 1878- 1944) نصب نفسه امبراطوراً لايران من عام( 1925- 1941)
[2] مصطفى كمال اتاتورك( 1881- 1938)، أول من اسس الجمهورية على أنقاض الحكم العثماني سنة 1923