الطاقات، تلتف حوله القابليات والإمكانات، تحشّد من أجله التضحيات، لا يوجد هذا المثل الأعلى، حينما يسقط هذا المثل الأعلى تسقط الراية التي توحّد الامّة، يبقى كل إنسان مشدوداً إلى حاجاته المحدودة، إلى مصالحه الشخصية، إلى تفكيره في اموره الخاصة: كيف يصبح؟ كيف يمسي؟ كيف يأكل؟
كيف يشرب؟ كيف يوفّر الراحة والاستقرار له ولأولاده ولعائلته؟ أيّ راحة؟ أيّ استقرار؟ الراحة بالمعنى الرخيص من الراحة، والاستقرار بالمعنى القصير من الاستقرار. يبقى كل إنسان سجين حاجاته الخاصة، سجين رغباته الخاصة، يبقى يدور، يبقى يلتف حول هذه الرغبات وحول هذه الحاجات لا يرى غيرها، إذ لا يوجد المثل، إذ ضاع المثل وتفتّت وسقط.
الاجراءات التاريخية تجاه الامّة المنهارة:
في حالة من حالات هذه الامّة، قلنا بأنّ الامّة تتحوّل إلى شبح لا تبقى امّة حقيقية، وإنّما هناك شبح امّة. وقد علّمنا التاريخ أ نّه في حالة من هذا القبيل توجد ثلاثة إجراءات، ثلاثة بدائل يمكن أن تنطبق على حالة هذه الامّة الشبح:
الإجراء التاريخي الأول: هو أن تتداعى هذه الامّة أمام غزو عسكري من الخارج؛ لأنّ هذه الامّة التي افرغت من محتواها، التي تخلّت عن وجودها كامّة وبقيت كأفراد، كل إنسان يفكّر في طعامه، يفكّر في لباسه، يفكّر في دار سكناه ولا يفكّر في الامّة، لم يبقَ هناك من يفكّر في الامّة وإنّما كل إنسان يفكّر في حاجاته، إذن في وضع من هذا القبيل يمكن أن تتداعى هذه الامّة أمام غزو من الخارج. وهذا ما وقع بالفعل بعد أن فقد المسلمون مثلهم الأعلى، وفقدوا ولاءهم لهذا المثل الأعلى، ووقعوا فريسة غزو التتار حينما سقطت حضارة المسلمين بأيدي التتار. هذا هو الإجراء التاريخي الأول.
والإجراء التاريخي الثاني: هو الذّوبان والانصهار في مثل أعلى أجنبي،