محدودة تبعاً لمحدودية نفس هذه المثل، لما كانت هذه المثل مثلًا منخفضة ومحدودة قد حوّلت بصورة مصطنعة إلى مطلقات، وإلّا هي في الحقيقة ليست إلّا تصوّرات جزئية عبر الطريق الطويل الطويل للإنسان، إلّاأ نّها حوّلت إلى مطلقات بصورة مصطنعة.
إذن هذه المحدودية في المثل تنعكس على الأديان التي تفرزها، فالأديان التي تفرزها هذه المثل أو بالتعبير الأحرى: الأديان التي يفرزها الإنسان من خلال صنع هذه المثل، ومن خلال عملقة هذه المثل وتطويرها من تصوّرات إلى مطلقات، هذه الأديان تكون أدياناً محدودة ضئيلة، أديان التجزئة، هذه الأديان هي أديان التجزئة في مقابل دين التوحيد الذي سوف نتكلم عنه حينما نتحدّث عن مثله الأعلى القادر على استيعاب البشرية بأبعادها. هذه الأديان أديان التجزئة، هذه الآلهة، الآلهة التي يفرزها الإنسان بين حين وحين هي التي يعبّر عنها القرآن الكريم بقوله: «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ»[1]، هذا الإله الذي يفرزه الإنسان، هذا الدين الذي يصنعه الإنسان، هذا المثل الأعلى الذي هو نتاج بشري، هذا لا يمكن أن يكون هو الدين القيّم، لا يمكن أن يكون هو المصعِّد الحقيقي للمسيرة البشرية؛ لأن المسيرة البشرية لا يمكن أن تخلق إلهها بيدها.
المجتمعات والامم التي تعيش هذا المثل الأعلى المنخفض المستمَد من واقع الحياة، قلنا بأ نّها تعيش حالة تكرارية، يعني: أنّ حركة التاريخ تصبح حركة تماثلية وتكرارية، وهذه الامّة تأخذ بيدها ماضيها إلى الحاضر، وحاضرها إلى المستقبل. ليس لها مستقبل في الحقيقة وإنّما مستقبلها هو ماضيها.
[1] النجم: 23