في حالة تسمح لهم بأن يجدوا الحقيقة وبأن يبتغوا الحقيقة، بينما لو كانوا يعبدون الطاغوت، حينئذٍ سوف يكونون في إطار هذا الواقع الذي يريده الطاغوت لهم، سوف لن يستطيعوا أن يستمعوا إلى القول فيتّبعون أحسنه، وإنما يتّبعون فقط ما يراد لهم أن يتّبعوه. هذا هو السبب الثاني لا تّباع وتبنّي هذه المثل.
إذن خلاصة ما مرّ بنا حتى الآن أنّ التاريخ يتحرّك من خلال البناء الداخلي للإنسان الذي يصنع للإنسان غاياته، هذه الغايات تُبنى على أساس المثل الأعلى الذي تنبثق عنه تلك الغايات. لكل مجتمع مثل أعلى ولكل مثل أعلى مسار ومسيرة، وهذا المثل الأعلى هو الذي يحدّد في تلك المسيرة معالم الطريق.
وهذا المثل الأعلى على ثلاثة أقسام حتى الآن استعرضنا القسم الأول من المُثُل العليا، وهو المَثَل الأعلى الذي ينبثق تصوره عن الواقع ويكون منتزعاً عن الواقع الذي تعيشه الجماعة، وهذا مَثَل أعلى تكراري، وتكون الحركة التاريخية في ظلّ هذا المَثَل الأعلى حركة تكرارية، أخذ الحاضر لكي يكون هو المستقبل.
وقلنا بأن تبنّي هذا النوع من المَثَل الأعلى يعود إلى أحد سببين بحسب تصورات القرآن الكريم:
السبب الأول: سبب نفسي، وهو الالفة والعادة والضياع.
والسبب الآخر: سبب خارجي، وهو تسلّط الفراعنة والطواغيت على مرّ التاريخ.