السبب الأوّل لتبنّي هذا المثل الأعلى المنخفض.
2- التسلّط الفرعوني:
والسبب الثاني لتبنّي هذا المثل الأعلى المنخفض: هو التسلّط الفرعوني على مرّ التاريخ. الفراعنة على مرّ التاريخ حينما يحتلّون مراكزهم يجدون في أيّ تطلّع إلى المستقبل، وفي أيّ تجاوز للواقع الذي سيطروا عليه، يجدون في ذلك زعزعة لوجودهم وهزّاً لمراكزهم.
من هنا، من مصلحة فرعون على مرّ التاريخ، أنْ يغمض عيون الناس على هذا الواقع، أنْ يحوّل الواقع الذي يعيشه مع الناس إلى مطلق، إلى إله، إلى مثل أعلى لا يمكن تجاوزه. يحاول أن يحبس وأن يضع كل الامّة في إطار نظرته هو، في إطار وجوده هو لكي لا يمكن لهذه الامّة أن تفتّش عن مثل أعلى ينقلها من الحاضر إلى المستقبل، من واقعه إلى طموح آخر أكبر من هذا الواقع. هنا السبب اجتماعي لا نفسي، السبب خارجي لا داخلي.
وهذا أيضاً ما عرضه القرآن الكريم: «وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي»[1]، «قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ»[2]. هنا فرعون يقول: ما اريكم إلّاما أرى، يريد أن يضع الناس الذين يعبدونه كلهم في إطار رؤيته، في إطار نظرته. يحوّل هذه النظرة وهذا الواقع، يحوّله إلى مطلق لا يمكن تجاوزه. هنا الذي يجعل المجتمع يتبنّى مثلًا أعلى مستمداً من الواقع هو التسلّط الفرعوني الذي يرى في تجاوز هذا المثل الأعلى خطراً عليه وعلى وجوده.
[1] القصص: 38
[2] غافر: 29